الخميس 5 شوال 1446 هـ | 3 أبريل 2025 ر

بحث في البطاقات الدعوية

إلى
ترجمة خادم العلم الشريف أبو الفضل أحمد بن منصور قرطامحقيقة الاتباع في زمن الضياع وسنة البلاء فيمن تبع الأنبياءالمجلة الغماريةالآل والأصحاب... حُبُّ وانتساب...نفائس المُعَلَّقات

للإطلاع على المزيد، بإمكانكم زيارة صفحة سؤال وجواب في ضروريات الدين بالضغط هنا

<b>العنوان: </b>44<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. أحكام الرِّدة الرِّدة لغةً :الرجوع عن الشيء إلى غيره ، قال تعالى: “ ولا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ” (سورة "المائدة" :الآية 21). الرِّدة شرعًا: الرجوع عن الإسلام إلى الكفر وقطع الإسلام ، ويحصل إمَّا بقولٍ أو فعلٍ أو اعتقادٍ، سواءً استهزاءًا أو عنادًا أو تهاونًا أو شكًّا، وهي أفحش أنواع الكفر ومحبطة للأعمال . قال تعالى:” إنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا”(سورة النساء: آية 48) ، قال تعالى:” وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ” (سورة البقرة:217)، وقال تعالى: “ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا “(النساء:137 )، وقال تعالى : “ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” ( المائدة :من الآية 5)، وقال تعالى : “ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .. “ ( التوبة:65،66) وغيرها كثير . أمَّا من السُّنَّة الشريفة ، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنُؤَاخَذُ بِمَا نَقُولُ ؟ قال :قَالَ سيدنا ومولانا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وسَلَّم: “ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ جَبَلٍ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ “رواه الإمام أحمد في "المسند" ،والطبراني في" الكبير والأوسط " ،والبخاري في "خلق أفعال العباد" . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ ،قال :سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : “ إنَّ العبد ليتكلَّمُ بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً، يرفعه اللهُ بها في الجنة، وإنَّ العبدَ ليتكلَّم بالكلمةِ من سخطِ الله، لا يُلقي لها بالاً، يهوي بها في النار “ رواه البخاري وغيره ، وفي رواية للبخاري ومسلم معاً: " إن العبد ليتكلَّمُ بالكلمة ما يتبيَّنُ فيها، يَزِلُّ بها في النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب " ، وعند الترمذي بزيادة " إن الرَّجُل يتكلَّمُ بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار ". وقد أجمعت الأمة على أن من نطق بكلمة الكفر أو فعل فعلًا أو اعتقد اعتقادًا اتفقوا على أنه لا يصدر إلا من كافر فهو كافر . قال الإمام زين الدين عمر بن مظفر الوردي الشافعي رحمه الله تعالى في " البهجة " باب الرِّدة: أَفْحَشُ كُفْرٍ ارْتِدَادُ مُسْـــلِمِ // مُكَلَّفٍ بِفِعْــلٍ أَوْ تَكَـلُّمِ مَحْضٍ عِنَادًا وَبِالاسْـــتِهْزَاءِ // وَبِاعْتِـقَادٍ مِنْهُ ،كَالإِلْقَــاءِ لِلْمُصْحَفِ الْعَـزِيزِ فِي الْقَاذُورَةِ // وَسَجْدَةٍ لِكَوْكَبٍ وَصُـورَةِ أقسام الكفر : أجمع السادة العلماء رحمهم الله تعالى أنَّ الكفر ينقسم إلى ثلاثة أقسام : أولًا -كفرٌ قوليٌ: أي أن ينطق بكلمة كفر ،كسبِّ الذات الإلهية، أو سبِّ سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو السادة الملائكة ،أو الاستهزاء قولًا بالشرع الحكيم وأحكامه وكل ما هو مُعَظَّم ومُقَدَّس شرعًا ، يكفر ما لم يكن مكره أو سبق لسان ، وسبق اللسان يكون في حالة الرضى والغضب . وأمثلة ذلك قول: "لو كان ربي ما عبدته" ،وقول: "لو كان نبيًا ما آمنت به" ،وقول: " ابني أحبُّ إليَّ من محمد"، صلى الله عليه وآله وسلم ،وقول: "الله لا يهديني" ،وقول :"لا أخاف يوم القيامة" ،وقول :" نتدفأ في نار جهنم " ،وغيرها كثير . قال تعالى : “ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا “ (سورة التوبة :من الآية 74) وعَنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يقول: “ إِنَّ أَكْثَرَ خَطَايَا ابْنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ “،رواه البيهقي في "شعب الإيمان" ،والطبراني في "المعجم الكبير" وغيرهما . ثانيًا -كفرٌ فعليٌ : وهو القيام بفعلٍ اتفقوا على أنه لا يصدر إلا من كافر باختياره ،كالسجود لمخلوقٍ على جهة التعظيم كالشمس، أو لقمرٍ أو لصنمٍ ، أو إلقاء مصحفٍ أو كتبُ عِلْمٍ شرعيٍّ ، أو ما عليه اسم الجلالة (الله) وهو يعلم ذلك في قاذورةٍ أو ما شابه. قال تعالى : “ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ “ (سورة فصلت :من الآية 37)، وعليه كلُّ مَنْ فعل فعلًا أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر ، فقد كفر فاعله . ثالثًا -كفرٌ اعتقاديٌ: ومحله القلب ،كنفِّي وجود الله تعالى، أو الاعتقاد أنه تعالى يتَّصف بصفات نقصٍ وعجزٍ كالجسمية، والحُلول ،والمقابلة ،والتَّجزأ والتَّركيب ، والنُّزول والصُّعود والجلوس ، أو كمن يشك بقدرة الله أو عِلْمه أو عدله أو مشيئته ، قال تعالى :” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا “ (سورة الحجرات :من الآية 15) فالارتياب والشَّك محله القلب . أو كمن اعتقد قِدَم العالَمِ وأزليَّتِه، أو أن هناك مؤثر في الأفعال مع الخالق سبحانه ،أو كمن اعتقد نفي ما هو ثابت لله تعالى بالإجماع كأسمائه وكمالاته سبحانه وتعالى ، أو كمن أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالاتِّصال والانفصال والألوان والجهات ، ومن أمثلة الكفر الاعتقادي كذلك : تحليل ما هو حرام بالإجماع ، أو تحريم ما هو حلال بالإجماع معلوم من الدين بالضرورة سواء فرضٌ كالصلوات الخمس ،أو سنَّةٌ كالآذان ،كل هذا أجمع واتفق أسيادنا العلماء على أنّه كفر ، والعياذ بالله. ولْيُعلم بأنَّ الرضا بالكفرِ كفرٌ كالجلوس مع الذين يتسامرون ويتحدثون وينطقون بالكفريات مع عدم إنكاره عليهم أو مغادرة مجلسهم ،قال تعالى : “ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ “ (سورة الأنعام :68) ،فمن رضي بكل ما سبق من الكفريات يكفر ، والعَزم على الكفر وتعليق الكفر بالمستقبل و التَّردد به هو كفر بناء على ما اتفق عليه أكابر العلماء ، مثاله من يقول: "لو مات ابني سأكفر" ، هذا كفر في الحال. عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ مَنْ جحدَ آيةً من القرآنِ فقد حلَّ ضربُ عُنُقِهِ ، ومَنْ قالَ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأنَّ محمدًا عبدهُ ورسولَهُ فلا سبيلَ لأحدٍ عليهِ إلا أنْ يُصِيبَ حدًا فيقامُ عليه” رواه ابن ماجة في "السنن" . والكفر لا ينبغي أن يكون باجتماع الثلاثة أقسام معًا ، بل يكفي فيها قسم واحد لكي يُحكم عليه أنَّه مرتد، ونؤكد على ضرورة عدم الإسراع في التَّكفير ،فالأمور المتشابهات كالتفريق بين الكبيرة أو الكفر ، وهناك ألفاظٌ صريحة وألفاظٌ غير صريحة قد تختلط على السامع ،لهذا لا نفتي في هكذا أمور بغير علم بل نعود لأقوال أسيادنا العلماء المعتبرين رحمهم الله تعالى ، فقد قسَّم علماء الأصول الكفر إلى نوعان : 1) كفر صريحٌ : وهو اللفظ الذي لا يُقبل فيه إلا وجهٌ واحدٌ ،وهو ما كان من قبيل صريح اللفظ وصريح المعنى ،وهذا الصريح يسأل عن معناه ،أي عن فهمه للفظ ،كجديد عهد بالإسلام الذي لا يتقن العربية، هذا لا يُكفَّر بل يُعلَّم . مثال :كسبِّ لفظ الجلالة "الله" سبحانه وتعالى ،والقول "الصلاة على النبي محمد مكروهه" :هذا كفرٌ صريح يحتمل وجه واحد، نسأله عن فهمه لمعنى الصلاة على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،فإن كان لا يفهمه نعلمه ، وإن كان يفهمه فهذا كفرٌ صريح يخرج من الملَّة كما اتفق السادة العلماء . 2) كفر ظاهر: وهو اللفظ الذي يقبل وجهان أو أكثر ، وجهٌ حسنٌ و وجهُ كفرٍ قبيح ،هذا يُسأل عن قصده. مثال: القول "يلْعن دينك"، لفظ "دينك" يحتمل معنيان إما السيرة والسلوك ،وإما الشرع والإسلام ،فإن قصد الأول فلا يكفر لكنَّه فاعل حرام ، أمَّا إن قصد "الشرع" فقوله هذا يُخرجه من الملَّة ويقلبه من الكفر الظاهر إلى الكفر الصريح بقرينة "الإسلام"، ومثاله أيضًا القول "الصلاة على النَّبيِّ مكروهه" ،هذا كفرٌ ظاهرٌ ،نسأل عن قصده لأن "النَّبيَّ" تحتمل معنيان، وهي تأتي بمعنى الأرض المحدودبة ، فيكون المعنى "الصلاة على الأرض المحدودبة مكروهه" كونها تُذهب الخشوع ، وبهذا يكون قوله حسن وصحيح، أمَّا لو قصد النَّبيُّ محمَّد _صلى الله عليه وآله وسلم_ فهذا كفر . ويُستثنى من الكفر الصريح عدة حالات: 1-المجنون ، وهذا يُؤدَّب . 2-حديثُ عهدٍ بالإسلام أو من جاء من المناطق النائية ، و هذا يُعلَّم . 3-المـُكْرَه: وهو من نطق بالكفر وهو مجبرٌ ،ولكنَّ قلبه غير منشرح للكفر ، قال تعالى : “ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ “ (النحل: 105) ،والمشهور أن الآية المذكورة نزلت في سيدنا عمار بن ياسر كما جاء من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال " أخذ المشركون عمارًا فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا ، فشكى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : “ كيف تجد قلبك؟” قال : مطمئنا بالإيمان ، قال: “فإن عادوا فعد “ ، (أخرجه الطبري وعبد الرزاق وعبد بن حميد ، والبيهقي من هذا الطريق، وأخرجه ابن المنذر من طريق ابن عباس وابن أبي حاتم من طريق مسلم الأعور) ، وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن سيرين أن سدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقي عمار بن ياسر وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عنه ويقول: “ أخذك المشركون فغطوك في الماء حتى قلت لهم كذا ، إن عادوا فعد “،قال ابن حجر في "فتح الباري" ورجاله ثقات : "وهذه المراسيل تُقوِّي بعضها ببعض " . 4-سَبْق اللسان :ويدخل فيه الرضا والغضب، والجَزَع والخوف ،كأن يريد قول شيء معين فإذا به ينطق بالكفر ،هذا لا يمضي فيه كفر. فعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال :قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ “ رواه البخاري ومسلم، هذا رجلٌ أَخْطَأَ بالتعبير مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ونطق بكلمة الكفر ، فلم يكفر . وعن سيدنا أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ سيدنا ومولانا رسول الله ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : “ أَنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالاً فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ : أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرَ أَبٍ ، قَالَ : فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ، فَفَعَلُوا ،فَجَمَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ : مَا حَمَلَكَ ؟ قَالَ : مَخَافَتُكَ ، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ “ رواه البخاري في صحيحه. حكم المُرتد : إنَّ من ارتد عن الإسلام لقولٍ أو فعلٍ أو اعتقاد يُستتاب ثلاثة أيام بعد ثبوت الحكم عند الحاكم، يوضع له فيها الطعام والشراب ويُرسل له من يَحثُّه على العوده للإسلام وما يترتب على ردّته ،فإن تاب وندم وعزم على عدم العودة على ذلك الفعل قُبل اسلامه ، لقوله تعالى : “ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ “ (سورة الأنفال: من الآية 38) وإن ْأبى يُقتل وجوبًا ،ولا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثُ ولا يُورَّثُ ، ومالُه فيءٌ للمسلمين ،كل ذلك تنفيرًا منه ،ويُذكر أن َّ القتل للمرتد يكون بضرب العنق بالسيف ،ويَحْرُم بغير ذلك كإحراقٍ وخنقٍ وخازوق ،لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : “فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ” رواه مسلم، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : “مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ” رواه البخاري في الصحيح. واللهُ ورسولُهُ أعْلَمُ وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>43<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. العشرون وجوب الإيمان بالجنَّة: الجنَّة في اللغة :جاء في لسان العرب لابن منظور: الجَنَّةُ: البُسْتانُ، ومنه الجَنّات، والعربُ تسمِّي النَّخيلَ:جَنَّةً، وهي الحَديقةُ ذات الشجر والنخل، وجمعها جِنان. واصطلاحًا : هي دار الخلود ومأوى المؤمنين التي أعدَّها الله تعالى كرامًة لهم وجزاءً لإيمانهم وطاعتهم، وهي مخلوقٌ عظيمٌ ،موجودة الآن، فيها النعيم العظيم الأبدي ،ونعيمها حقيقيٌ بخلاف مَنْ ضَلَّ وقال أنَّه معنوي، مَنْ دخلها لا يخرج منها تكرمًا من المولى سبحانه، فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر ،وهي لا تقاس على الدنيا ولا بوجهٍ من الوجوه ،فالمــُـسمَّيات في الجنة هي نفسها مُسمَّيات الدنيا ،كالنَّخل والرُّمان والأكواب والأباريق وغيرها، ولكنَّها وجَزْمًا تختلف في الصفة ،إذْ هي من قبيل الثابت في الأصل المتشابه في الوصف، يجب الإيمان به على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم . ونعيم الجنَّة نعيمٌ دائمٌ ،يزداد ولا ينقص ،فلا مرضٌ فيها ولا أوجاع، ولا شقاء ولا أحزان ،إنَّما السُّرور والهناء، والرضا والبهاء، وجوههم ضاحكةٌ مستبشرةٌ متنعِّمةٌ ،راضيةٌ مرضيَّةٌ، لا يَبُولُونَ ولا يتغوَّطونَ ولا يمتخَّطونَ ولا يَتْفلِونَ، أمشاطُهُم الذّهَبُ، ورشْحُهُم المِسْك، وأزواجُهُم الحورُ العين، وملْبَسَهُم وطَعَامَهُم وشَرَابَهُم ليس من جوعٍ أو ظمأٍ أو عِرِيٍّ وإنما هي الَّلذاتُ المـُتتابعة والخيرات المتوالية التي لا تنتهي . وأفضل ما يُكرم به أهل الجنة النَّظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى الكريم، وهذه الرؤية تكون بالعين الباقية بلا كيف ،فالصورة والكيفيَّة عن الله وصفاته منفيَّة، فليس كمثله شيء سبحانه، قال تعالى: "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ"،(سورة يونس: من الآية 26) ،وهذه الزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم سبحانه، وقال تعالى: "وجوهٌ يومئذٍ ناضِرةٌ إلى ربها ناظرةٌ"(سورة القيامة: 22،23). و الجنَّةُ لها أسماءٌ كثيرةٌ ومختلفةٌ جاءت في القرآن الكريم ،تُوحي بالنَّعيم المـُقيم، منها: جَنَّة عدن ،دار ُالسَّلام، جَنّاتُ النَّعيم، دارُ الآخرة، دار القرار ،دارُ المتَّقين، الفِرْدَوس، الحُسنى ،جَنَّة الخُلد ،وغيرها ,وكلها تدل على "الجنَّة" ،وهي جنَّةٌ واحدةٌ ،ولكنَّها منازلٌ متفاوتةٌ، حسب سعي المؤمن في الدنيا مع تحصيله لأصل الإيمان، ومنازل الجنَّة كلها متَّصلةٌ بمقام الوسيلة المحمود الذي بُعث له سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأفضل درجات الجنَّة هي الفِردوس الأعلى، وهي رَبْوةِ الجنَّة وأوْسَطَها وأعْلَاها وأرْفَعَها، ولْيُعلم بأنَّ منازل أسيادنا الرُّسل والأنبياء عليهم الصلاة والسَّلام ليست كمنازل دونهم. و الجنَّة ثابتةٌ في الكتاب والسُّنَّة والإجماع، قال تعالى: "وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"(سورة البقرة:25)، وقال تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"(سورة آل عمران:من الآية 133)،فالمعدود لا يكون إلا موجود، وقال تعالى: "وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ"(سورة الرحمن:46) ، واختيار صيغة المثنى وغيرها من الصِّيغِ ما هي إلا تنويع ٌ في الاسْتدلال لمزيدٍ من تشويقِ المؤمن لطلب المنزلة الفُضلى والسَّعي إليها ،والآياتُ في هذا المقامِ كثيرةٌ جدًا. أمَّا من السُّنَّة الشريفة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قَالَ سيدنا ومولانا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وسَلَّم: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: "أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ على قَلْبِ بَشْرٍ"(رواه البخاري ومسلم). وعنه رضي الله عنه قَالَ ،قال:سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ"(رواه البخاري وغيره). وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ ،قَالَ: "بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيه). وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ ،وَلَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ ،وَلَا يَمْتَخِطُونَ"، قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: "جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ"(رواه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما). الواحد والعشرون: وجوب الإيمان بالنَّار: النَّـار لغـةً: جاء في المعجم الوسيط أنَّها: عنصرٌ طبيعيٌ فَعَّال، يمثّله النُّور والحرارة الْمُحْرِقَة، وتُطلقُ على اللهب الذي يبدو لِلْحَاسَّة، كما تُطْلقُ على الحرارة الْمُحْرِقَة، والجمع: نِيرَان ". أمَّا اصطلاحًا:هي مُسْتَقَرُّ ومأوى الكافرين ،أعدَّها الله تعالى عقابًا وجزاءً لكفرهم وطغيانهم، وهي مخلوقٌ عظيمٌ ،موجودة الآن، فيها العذاب العظيم الأبدي ،وعذابها حقيقيٌ لا معنوي ،مَنْ دخلها من الكافرين لا يخرج منها أبدًا، أمَّا مَنْ اسْتحقُّ دخولها من المؤمنين أصحاب المعاصي والذنوب للتَّطهير منها لا يخلدون فيها إنْ دخلوها، وهؤلاء أمرهم مفوضٌ لربهم إن شاء عذَّبهم وإن شاء غفر لهم ،والبعض منهم قد تدركهم الشفاعة فلا يدخلونها أصلًا، وأمَّا من دخلها وأدركته الشفاعة فيخفف عنه العذاب ويخرج منها، وهؤلاء متفاوتون في مراتبهم ،إلا إنهم جزمًا لا يخلدون فيها بل عاقبتهم الجنّة كما مرَّ معنا ، وآخر أهل النَّار خروجًا وآخر أهل الجنَّة دخولًا رجلٌ يُعطى مثل الدنيا عشر أمثالها كما جاء في صحيح مسلم. والنَّار وعذابها لا يُقاس على الدنيا ولا بوجهٍ من الوجوه ،فعذابها عذابٌ دائمٌ ،يزداد ولا ينقص ،ويلاتٌ مـُتتابعةٌ وعذاباتٌ متواليةٌ والعياذ بالله تعالى منها. وهي متفاوتةٌ في دَرَكاتها ،فلا شك بأنَّ الكفَّار متفاوتون في العذاب، فمن كفر بالله العظيم ليس كمن قتَّل السادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،وليس كمن أفسد في الأرض ،وليس كمن هو كافرٌ ولكنَّه أحسن معاملة المسلمين وتوقيرهم، وهكذا. وكثُر ذكر النَّار وآيات التهويل في القرآن الكريم وجاءت بأسماء كثيرة منها:جهنَّم، لَظى ،الحُطمة ،السَّعير، سَقَر ،الجحيم ،الهاوية ،سِجِّين والعياذ بالله منها. قال تعالى: "وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ"(آل عمران:131) وقال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا"(الأحزاب:64) وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ"(سورة التَّحريم:من الآية 6) وقال تعالى: "كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ، نَزَّاعَةً لّلشَّوَىٰ"(المعارج:15، 16) وقال تعالى: "وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا"(سورة الجِنّ:من الآية 23) وقال تعالى: "إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً، لِلْطَّاغِينَ مَآباً، لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً، لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً، إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً"(النبأ:21-25) وقال تعالى: "وَمَا أَدْرَاك مَا الْحُطَمَة، نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ"(سورة الهُمزة:5،6) أمَّا عن عصاة المؤمنين الذين لا يخلدون في النَّار فجاء في السُّنَّة الشريفة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: "أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ -أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ- فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ-أي جماعاتٌ متفرقة- فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ،ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ"(رواه مسلم). و أمَّا الكفَّار فجاء عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، قَالَ: "يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ- أي النمل الأحمر الصغير-فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إلى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسْ..."(رواه الإمام أحمد والترمذي)، وعند الإمام أحمد "في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنًا"، والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ ومتواترة. والجنَّة والنَّار من المخلوقات الثمانية الباقية التي أراد الله تعالى لها البقاء، فبقائها ليس بذاتها ،قال الإمام جلال الدين السيوطي الشافعي رحمه الله تعالى: ثمانيةٌ حُكمُ البقاءِ يَعُمُّهَا // مِنَ الخَلْقِ والباقونَ في حيِّزِ الْعَدَمِ هي العَرْشُ والكُرْسِيُّ نارٌ وجنـةٌ // وعَجْبٌ وأرواحٌ كذا اللوحُ والقَلَمُ والإجماع منعقد على وجوب الإيمان بالجنَّة والنَّار وهما موجودتان الآن ،فمن أنكر ذلك كفر، كونه كذَّب صريحَ القرآنِ والسُّنَّةِ والإجماع المعتبر. ويُستثنى من ذلك من كان قريب عهد بالإسلام، أو من جاء من المناطق النائية، أو كان جاهلًا بالحكم. ونَعُودُ ونُذَكِّر أَنَّ للتَّوحِيدِ أُصُولًا مَنْ خَالَفَ فِيهَا ضَلَّ وَقَدْ يَدْخُلُ أبْوابَ الكُفْرِ والعِياذُ بِاللهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مُخَالَفَتِهِ، لَكِنْ مَا يَتَفَرَّعُ عَنْ ذَلِكَ الأصْلِ وَيَحْتَمِلُ، فَهَذَا لَا مَجَالَ فيهِ أَبَدًا إِلَى تَضْلِيلٍ أَوْ تَفْسِيقٍ أَوْ تَبْدِيعٍ ابتداءًا، وَإِنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أوْ عَدَمُ ذَلِكَ ،فَمَثَلًا الإيمَانُ بِالجنَّةِ والنَّارِ وَوُجُودِهِمَا الآنَ أَصْلٌ، مَنْ خَالَفَ فِيهِ كَانَ حُكْمُهُ عَلَى وِفْقِ مُخَالَفَتِهِ ضَلالًا أَوْ كُفْرًا، أَمَّا مَا يَدُورُ فِي الجنَّةِ أوِ النَّارِ فَهُوَ فَرْعٌ عَنْ ذَلِكَ الأَصْلِ، والْمَدَارُ فِي قَبُولِهِ وإِثْبَاتِهِ عَلَى ثُبُوتِ دَلِيلِهِ، إِنْ ثَبَتَ الدليلُ قَالَ بِهِ السَّادةُ العُلَماءُ وَإِلَا تَوَقَّفُوا فِيِهِ رَحِمَهُمُ الله تعالى. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشرٍ المالكيِّ الفاسيِّ رحمه الله تعالى في نظمه "المرشد المعين على الضروري من علوم الدين": الإِيمَانُ جَزْمٌ بِالإلَهِ وَالْكُتُبْ // والرُّسْلِ وَالأمْلاكِ مَعْ بَعْثٍ قَرُبْ وَقَدَرٍ كَذا صِرَاطٌ مِيزانْ // حَوْضُ النَّبِيِّ جَنَّةٌ ونِيرَانْ ونختم باب السمعيّات بقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في (إحياء علوم الدين): "إيّاكَ أَنْ تُنْكِرَ شَيْئًا مِنْ عَجَائِبِ يومِ الْقِيامَة؛ لِمُخَالفَتِهِ قِيَاسَ مَا فِيْ الدُّنْيَا ،فَإنَّكَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ شَاهَدْتَ عَجَائِبَ الدُّنيا ثُمَّ عُرِضَتْ عَليكَ قَبْلَ المشاهدة ،لَكُنْتَ أَشَدَّ إِنْكَارًا لها، وفي طَبْعِ الآدَمِي إِنْكَارُ كُلّ مَا لَمْ يَأْنَسْ بِهِ ،وَلَوْ لَمْ يُشَاهِدْ الإِنْسَانُ الْحَيَّةَ وَهِيَ تَمْشِي عَلى بَطْنِهَا كَالْبَرقِ الخَاطِفِ لَأَنْكَرَ تَصَوُّرَ الْمَشي عَلى غَيْرِ رِجْل ،والْمَشي بِالرِّجْلِ أيْضًا مُسْتبعدٌ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُشاهِدْ ذَلِك ،وَلَوْ لَمْ يُشاهِدْ الإِنسانُ تَوالِدَ الحيوان ،وَقِيْلَ لَهُ أنَّ لَهُ صَانِعًا يصْنَعُ مِنَ النُّطْفَةِ مِثْلَ هَذا الآدَمِيُ الْعَاقلُ الْمُتَصَرِّفُ الْمُتَكَلِمُ لَاشْتَدَّ نُفُور بَاطِنه عَنِ التَّصْدِيقِ بِهِ ،فَفِي خَلْقِ الآدَمِي مَعْ كَثْرَةِ عَجَائِبِهِ واخْتِلَافِ تَرْكيبِ أَعْضَاءِهِ أَعَاجِيب تزيدُ عَلى الأعاجِيبِ في بَعْثِهِ وإِعَادَتِهِ ،فَكَيْفَ يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ قُدْرَةِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ مَنْ يُشَاهِدُ ذَلكَ سُرعتَهُ وقُدْرَته ؟!! فإنْ كَانَ فِي إيمانِكَ ضَعْفٌ فَقَوِّيِهِ فِي النَّظرِ فِي النَّشأةِ الأُوُلَى". ا.هـــ واللهُ ورسولُهُ أعْلَمُ وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>42<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب، ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. الثامن عشر: وجوب الإيمان باللوح المحفوظ: اللوح المحفوظ: مخلوقٌ عظيم - دون العرش- لا نعلم حقيقته ،ولا يمكن تصوره ،وهو من المخلوقات الباقية التي أراد الله لها البقاء، فبقائه ليس بذاته، خلقه المولى سبحانه وتعالى لحكمةٍ يعلمها، مكتوبٌ فيه كل ما هو كائن إلى يوم القيامة، كنايةً على أن تقدير الله تعالى للأشياء نافذ لا يتبدل، ففيه القضاء المــُبرم الذي لا يتبدل ولا يطَّلع عليه مخلوق ويُعرف بالغيب الكلي، وله عدة أسماء منها: اللوح المحفوظ ،الكتاب، الإمام المبين، أم الكتاب ،الكتاب المسطور، قال تعالى: "يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ، وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ"(سورة الرعد : الآية 39) ، وقال تعالى : "وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ"(سورة القمر:53،52 ) ، وقال تعالى : "وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ"(سورة يس: من الآية 12)، وقال تعالى: "بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ"(سورة البروج: الآية21،22)، وغيرها كثير. ومن السُّنَّة الشريفة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قَالَ، قال: سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: "كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ " رواه مسلم، والعدد هنا لا يفيد الحصر إنَّما المبالغة في قِدَم خلق الأشياء وهي مكتوبة في اللوح المحفوظ. وقال سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لزوجته السيدة أم حبيبة رضي الله عنها: "قَدْ سَأَلْتِ اللّهَ لِآَجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ" رواه مسلم في الصحيح، وهذا محمولٌ على كتابة هذه الأمور في اللوح المحفوظ . التاسع عشر: وجوب الإيمان بالقلم: والقلمُ :مخلوقٌ عظيم ٌمن مخلوقات الله تعالى لا نعلم حقيقته ولا يمكن تصورها، شاء له الله البقاء، أي بقائه ليس بذاته، وقد أمر الله تعالى القلم أن يجري على اللوح المحفوظ فجرى بقدرة الله ومن غير أن يمسّهُ أحد من الخلق، فسطر في اللوح المحفوظ كل ما هو كائن وسيكون إلى يوم القيامة. قال تعالى : "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ "(سورة القلم :1)،عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما : قال :"ويكتبون"، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه، رواه الحاكم في المستدرك، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك. وقال تعالى : "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ،كِرَامًا كَاتِبِينَ"(الإنفطار:10 ،11) وقال تعالى : "الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "(سورة العلق: 4،5 ) و عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنَّ أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلمَ قَالَ له: اكتُبْ، قال: مَا أكْتُبْ ؟ قَالَ: اكتُبْ القَدَرَ، مَا كان، وما هو كائنٌ إِلى الأبد " رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه. فتكون هذه الأولية أوليةٌ إضافيَّةٌ، أي قيل للقلم اكتب أنَّ أوليَّة خلق الماء والعرش أولية حقيقيَّة، فكتب، فيكون بذلك القلم هو ثالث مخلوق بعد الماء والعرش كما مرَّ معنا وعند مسلم من حديث سيدنا انس رضي الله عنه قال: أخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري رضي الله عنهما كانا يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "ثمَّ عُرِجَ بي حَتَّى ظهرتُ لِمُسْتَوى أسْمَعُ فيهِ صَرِيفَ الأَقْلام" فيجوز القول بالجمع (أقلام) كناية عن كثرة المكتوب كالآجال والأعمار والأرزاق وما إلى ذلك، أو للتَّعظيم . وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أنْتَ لَاقٍ"رواه البخاري، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في "فتح الباري" عند شرحه للحديث: "أي نفذ المقدور بما كُتِبَ في اللوح المحفوظ ، فبقي القلم الذي كتب به جافًا لا مداد ، فيه لفراغ ما كُتب به"ا.هـــ وجاء في حديث سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما الطويل، وفيه: "رُفعَت الأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" رواه الترمذي، وكلُّ ذلك كناية على أنَّ تقدير الله تعالى للأشياء نافذٌ لا يتبدل. والإجماع منعقد على وجوب الإيمان باللوح والقلم, قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: "ونؤمن باللوح والقلم وبجميع ما فيه قد رُقِمَ فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائناً لم يقدروا عليه، جَفَّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة"ا.هـ, فمن أنكر ذلك كفر، كونه كذَّب صريحَ القرآنِ والسُّنَّةِ والإجماع المعتبر, ويُستثنى من ذلك من كان قريب عهد بالإسلام، أو من جاء من المناطق النائية ، أو كان جاهلًا بالحكم. قال الإمام جلال الدين السيوطي الشافعي رحمه الله تعالى: ثمانيةٌ حُـكمُ البقـاءِ يَعُمُّهَا ............... مِنَ الخَلْقِ والباقونَ في حيِّزِ الْعَدَمِ هي العَرْشُ والكُرْسِيُّ نارٌ وجنـةٌ ...........وعَجْبٌ وأرواحٌ كذا اللوحُ والقَلَمُ وقال سيدي الإمام برهان الدين إبراهيم اللَّقاني المالكي المصري رحمه الله تعالى في "جوهرة التوحيد" : والعَرْشُ والكُرْسيُّ ثَّمَ القَلَمُ ...... والكاتَبُونَ اللوحُ كُلٌّ حِكَمُ لا لِاحْتِيَاجٍ ، وبِهَا الإيمانُ ........ يجبْ عَلَيكَ أيُّهَا الإنْسَانُ فائدة: قال علماؤنا: الأقلام في الأصل ثلاثة: - القلم الأول: الذي خلقه الله وقال له أكتب، وهو المراد إذا ما أطلق. - القلم الثاني: أقلام الملائكة يكتبون بها المقادير والكوائن والأعمال وما سوى ذلك مما أمروا به . - القلم الثالث: أقلام الناس، جعلها الله بأيديهم، يكتبون كلامهم ويصلون بها مآربهم، وفي الكتابة فوائد وفضائل جمَّة، والكتابة من جملة البيان، والبيان ما اختص الآدمي ،قال تعالى: "الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "(سورة العلق: الآية 4،5) ،والإنسان إذا أطلق يراد به سيدنا آدم عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام ،علَّمه أسماء كلِّ شيء، قال تعالى: "وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا "(سورة البقرة : من الآية 31) . واللهُ ورسولُهُ أعْلَمُ وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>41<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. السادس عشر : وجوب الإيمان بالعَــرْش: العرش : له عدَّة معاني في اللغة، منها : - السَّرير ،قال تعالى: "وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيْمٌ"(سورة النمل :من الآية 23) - مجلس السلطان: قال تعالى: "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ"(سورة يوسف :من الآية 100) - السَّقف: قال تعالى: "وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا"(سورة البقرة :من الآية 205) ومنها هودج المرأة ، والعزُّ والسُّلطان ،وغيرها كثير لا يتسع المقام لذكره هنا . والعرش اصطلاحًا :مخلوقٌ عظيمُ الحجمِ، له قوائم، خلقه الله تعالى إظهارًا لقدرته ولم يتَّخذه مكانًا لذاته سبحانه ،لا يعلم حقيقته إلا الله، جعله سقفًا لمخلوقاته ، وأمَرَ ملائكَتَهُ بِحَمْلِهِ، وتَعَبَّدَ بعضَهُم بِتَعْظِيمِهِ والطَّوافِ به، وهُوَ مَحْمُولٌ بِلُطفِ اللهِ تعالى كَبَقِيَّةِ المـَخْلوقات ،لا يُعْجِزْهُ عنها شيء لأنه مُسْتَغنٍّ عنها جميعًا . والعرش من المخلوقات الباقية التي أراد لها الخالقُ البقاء، أي بقائها ليس بذاتها ،ذكر ذلك الإمام السيوطي في قوله :" ثمانيةٌ حكمُ البقاءِ يعمُّها ، .. ومنها العرش " وليُعْلَم بأنَّهُ لم تأتِ الأدلة من القرآن والسنة والإجماع لتبين ماهيَّة العرش وصفته ،فقط نؤمن بأنه مخلوقٌ ،خُلِقَ لحكمةٍ لا نعلمها ،وهو أعظم المخلوقات وسقفها، فنؤمن به على مراد الله ورسوله. أمَّا الآيات الكريمة في وجود العرش كثيرةٌ جدًا ، منها : قوله تعالى: "ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ "(سورة البروج:15) وقوله تعالى :"الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ "(سورة غافر: من الآية 7) وقوله تعالى: "وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ"(سورة الحاقة :17) وقوله تعالى:" الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى "(سورة طــه:5) ،واستوى هنا بمعنى اسْتوّلَى وقَهَرَ . ولمزيد من التبيان والإفادة يرجى العودة والاستنارة برسالة (دفع الهوى عن فَهم " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " ) لخادم العلم الشريف أبي الفضل أحمد بن منصور قرطام حفظه الله تعالى . وغيرها من القرآن الكريم كثير. ومن السُّنَّة الشريفة، عن عمران بن حصين رضي الله عنه ، قَالَ: قال أهل اليمن لرَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: "جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر" ، فقَال سيدنا ومولانا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : "كَانَ اللهُ ولَمْ يكُنْ شَيءٌ غَيْره، وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الماءِ، وكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كلَّ شَيء" رواه البُخَارِيّ وغيره. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ –أُرَاهُ قال: فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ - وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ " رواه البخاري وغيره . السابع عشر وجوب الإيمان بالكرسيّ : الكرسيُّ لغةً : ما له أربع أرجل ، أمَّا اصطلاحًا : هو مخلوقٌ عظيمٌ من مخلوقات الله تعالى دون العرش، وهو أكبر من السموات والأرض ،نُمسكُ عن حقيقتِهِ ،ونُفَوِّضُ العِلْمُ بحقيقته للهِ تعالى ، فلا يعلمُ ماهيَّتُهُ على الحقيقةِ إلا الله تعالى، فهو يشترك في الاسم مع الكرسي الذي نعرفه في الدنيا ، وجَزْمًا يختلف في الصفة ،إذْ هو من قبيل الثابت في الأصل المتشابه في الوصف ،يجب الإيمان به على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. والكرسي كذلك من المخلوقات الباقية التي أراد الله لها البقاء، أي بقائها ليس بذاتها ،ذكر ذلك الإمام السيوطي في قوله :" ثمانيةٌ حكمُ البقاءِ يعمُّها ، .. ومنها الكرسي " قال تعالى: "وَسِعَ كُرْسِيُّهُ الْسَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ "(سورة البقرة : من الآية 255). وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : "يَا أَبَا ذَرٍّ ، مَا السَّمَوَاتُ عِنْدَ الْكُرْسِيِّ إِلا كَحَلَقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلاةٍ ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلاةِ عَلَى الْحَلَقَةِ " رواه ابن حبان في "الصحيح" وغيره . والإجماع منعقد على وجوب الإيمان بالعرش والكرسي ، فمن أنكر ذلك كفر، كونه كذَّب صريحَ القرآنِ والسُّنَّةِ والإجماع المعتبر. ويُستثنى من ذلك من كان قريب عهد بالإسلام ، أو من جاء من المناطق النائية ،أو كان جاهلًا بالحكم . قال سيدي الإمام برهان الدين إبراهيم اللقاني المالكي المصري رحمه الله تعالى في "جوهرة التوحيد" : والعَرْشُ والكُرْسيُّ ثَّمَ القَلَمُ ...... والكاتَبُونَ اللوحُ كُلٌّ حِكَمُ لا لِاحْتِيَاجٍ ، وبِهَا الإيمانُ ........ يجبْ عَلَيكَ أيُّهَا الإنْسَانُ وما أجمل قول القائل : (لا الْعَرْشُ يَحْمِلُهُ ولا الكُرْسِيُّ يَسْنِدُهُ بَلِ الْعَرْشُ وَحَمَلَتُهُ والْكُرْسِيُّ وعَظَمَتُهُ الْكُلُّ مَحْمُولٌ بِلُطْفِ إِرَادَتِهِ). واللهُ ورسولُهُ أعْلَمُ وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>40<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السمعيات (( وجوب الإيمان بالشَّفاعة)) الدرس الأربعون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. الخامس عشر : وجوب الإيمان بالشَّفاعة : الشَّفاعة لغة : الوسيلة ، الطلب. وشرعًا :سؤال الخير من الغير للغير ، وهذا السؤال يكون من الأدنى للأعلى غالبًا. فتُطلب الشَّفاعة من نبي الرحمة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،ومن سائر إخوانه الرُّسل والأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام، وشفاعته صلى الله عليه وآله وسلم تكون بقولٍ أو عملٍ مقربٍ إلى الله تعالى ليقضي بين الخلق لإراحتهم من طول الموقف ومشقته، وهي أنواع كثيرة ، أعظمها شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم في فصل القضاء للناس يوم القيامة، وشفاعته في إدخال قوم الجنة بغير حساب، ومنها شفاعته فيمن استحق دخول النار أن لا يدخلها، ومنها شفاعته فيمن دخل النار أن يخرج منها، ومنها شفاعته في زيادة الدرجات لأهل الجنة، ومنها شفاعته لأهل الأعراف ،وغيرها. وكذلك تُطلب الشفاعة من دون أسيادنا الرُّسل والأنبياء ممن نعتقد فيهم الصَّلاح والتَّقوى الذين أذن الله تعالى لهم بالشفاعة ، ومنهم : -أسيادنا الملائكة عليهم السَّلام : وشفاعتهم تكون بالتَّرتيب حسب أفضليتهم. -العلماء العاملين: فالقليل من العلم والكثير من العمل خير من كثير من العلم ولا عمل ،فقد أخرج الدَّيْلَمِيُّ في "مسند الفردوس" مِنْ حَدِيثِ سيدنا ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا:{ يُقَالُ لِلْعَالِمِ: اشْفَعْ فِي تَلَامِذَتِكَ، وَلَوْ بَلَغَ عَدَدُهُمْ نُجُومَ السَّمَاءِ} . -الشهداء :ودرجات الشهادة متنوعة وكثيرة ، أفضلها وأعلاها شهادة المعترك، فشهيد المعترك الذي يقاتل من أجل إعلاء كلمة الحقِّ هو شهيد الدنيا والآخرة ،و لا بد أن يكون محصلًا للحد الأدنى من معنى الشهادتان ولم يأتي بما ينافيهما لا بالقول ولا بالفعل ولا بالاعتقاد ،فقد أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ سيدنا ومولانا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: { الشَّهِيدُ يُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ} . -الأولياء والصالحين : والولي هو من أدَّى كل الواجبات واجتنب المــُحرَّمات، فأتقن ضروريات الدين وأكثر من العمل وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر سواء ظهرت على يديه الكرامات أم لم تظهر . فقد أخرج الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: { لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ لَيْسَ بِنَبِيٍّ مِثْلُ الْحَيَّيْنِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ}. -الصِّدِّيقون كلٌّ في مجاله ،فالتاجر الصادق يشفع ،والطبيب الصادق يشفع وغيرهما ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة} ،رواه الترمذي والدارمي ، والحاكم في المستدرك واللفظ له. -الطفل دون البلوغ : فهو فَرَطٌ لأهلهِ على الحوض إذا احتسبوا وصبروا. والشفاعة ثابتةٌ في القرآن والسنة والإجماع المعتبر من أنكرها فقد كفر، ويُستثنى من ذلك من كان قريب عهد بالإسلام ، أو من جاء من المناطق النائية ،أو كان جاهلًا بالحكم فَيُعلَّمُ ويُفهَّم . قال الله تعالى : {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا}، (طه :109) ، وقال تعالى :{ مَنْ ذَا الَّذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} ، (البقرة : من الآية 255)، وقال تعالى : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى } ،(الأنبياء: 28) . ومن السُّنَّة الشريفة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: { أنا أولُ شافعٍ وأولُ مُشَفَّع } رواه الترمذي ، ومن حديث سيدنا أنس رضي الله عنه قال :قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : {شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي}. رواه الإمام أحمد ، و عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّم :{ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا } رواه البخاري ومسلم وغيرهما . و عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ ، أَنَّ رَجُلا ضَرِيرَ الْبَصَرِ ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ : {اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتُقْضَى لِي ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ} رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجه والنّسائي والطبراني في الكبير والإجماع منعقد على وجوب الإيمان بالشَّفاعة ، وكما يقول أسيادنا "مَنْ يُنْكِر الشَّفاعةَ يُحْرمُ منها ". قال سيدي الإمام برهان الدين إبراهيم اللَّقاني المالكيّ المـِصْريِّ رحمه الله تعالى : وَوَاجِبٌ شَفَاعَةُ المــُشَفَّعِ // مُحَمَّدٍ مُقَدَّمًا لاَ تَمــْنَـعٍ وَغَيْرُه مِنْ مُرْتَضى اْلأَخْيَارِ // يَشْفَعْ كما قَدْ جَاءَ فِي اْلأَخْبَارِ إِذْ جَائِزٌ غُفْرَانُ غَيْرِ الْكُفْرِ // فَلاَ نُكَفَّرْ مُؤْمِنًا بِالْوزْرِ وَمَنْ يَمُتْ وَلَمْ يَتُبْ مِنْ ذنْبِهِ // فَأَمْرُهُ مُفَوَّضٌ لِرَبِّهِ والله ورسوله أعلم اللهمّ ارحم مشايخنا ومن علّمنا وكل من له حقّ وفضل علينا اللهمّ وارحم والدينا كما ربونا صغاراً وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>39<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. الرابع عشر: وجوب الإيمان بالحَوض: الحوض: لغةً: مُجْتَمَعُ الماءِ، والجَمْعُ مِنْهُ: حِيَاضٌ وأَحْوَاضٌ . أمَّا اصطلاحًا: هو جسمٌ مخصوصٌ،كبيرٌ متَّسعُ الجوانبِ والزوايا، منبعه الجنة (نهر الكوثر)، مجمعه بعد الصراط، فرعه في الأرض المبدَّلة .وهو حَوْضُ سيدنا ومولانا رَسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم الَّذِي يَسْقِي منه أُمَّتَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ. أعدّ الله تعالى فيه شرابًا طيًبا مباركًا، وإنَّ أهلَ الجنةِ لا يشربون نتيجةً لعطشٍ يُصيبَهُم، وإنَّما يشربونَ تلذذاً وتَنَعُّمًا . ولكلِّ نبيٍّ من أسيادنا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حوض ،وأكبرُ الأحواضِ حوضُهُ المورودُ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم، يَرِدُ عليه من تمسَّك بسنَّته صلى الله عليه وآله وسلم ليشرب شربة هنيئةً لا يظمأ بعدها أبداً، أمَّا من ارْتَدَّ عن دين الله تعالى أو أحدث فيه مالا يرضاه الله، فهو من المطرودين عن الحوض، المبُعدين عنه، وأشدهم طَرْداً مَنْ خالفَ جماعةَ المسلمين، وفارقَ سبيلَهُم، وكذلك الظَلَمَةَ المُسْرِفونَ في الجُورِ والظُّلْمِ وتَطميسِ الحَقِّ وقَتْلِ أهلِهِ وإذلالهم، والمُعْلِنُونَ بالكبائر المستخِفُّون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع، فالعُصاة من المؤمنين يُمنعوا ويُذادوا ابتداءً من الشُّرب من حوض التَّلذُّذ إلى أن تنالهم شفاعةُ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم . قال الله تعالى: " إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ "(سور الكوثر:1) ، ومعناه النهر المعروف ،وهناك معاني أخرى ليس هذا محل ذكرها. وقد جاء في السنَّة الشَّريفة الكثير من الأخبار التي وصلت حد التواتر مما لا يتسع المقام لذكرها، فنذكر منها على سبيل المثال: ما رواه سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَلَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجَالٌ مِنْكُمْ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي، فَيُقَالُ إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ " رواه الإمام أحمد وغيره. وجاء في صحيحي البخاري ومسلم عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ" قَالَ أَبُو حَازِمٍ فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا فَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلًا فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ: "إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي" وفي وَصْفِ الحوضِ الشَّريف، جاءَ في الحديث المتواتر عن سيدنا عبد الله بن عَمْرٍو رضي الله تعالى عنه قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: " حوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ-أكوابُهُ_ كَنُجُومِ السَّمَاءِ ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا" رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري. مع ضرورة الانتباه بأن هذه الأوصاف اشتركت بالاسم فقط، وتفرَّقت في حقيقة الصفة،كون الدنيا لا تُقاس على الآخرة والآخرة لا تقاس على الدنيا، فحقيقة الحوض لا نعلمها، ولكن نُقرُّ ونُؤمِنُ بما ثبتَ في الأخبارِ الثابتة عن حضرتِهِ الشَّريفةِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم . ورُوي عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: " إِنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ- قرية تتوسط المدينة ومصر والشام (القدس)- وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ وَإِنَّ فِيهِ مِنْ الأَبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاء "رواه البخاري ومسلم . وعَنْ سيدنا أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله تعالى عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُونِي بِمَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا " رواه الإمام أحمد وأبو يعلى وغيرهم. وعن سيدنا زيد بن أرقم رضي الله عنه قال :قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي كِتَابُ اللَّهِ، وعِتْرَتي أهلَ بيتي ،ولنْ يَتَفَرَّقَا حتىَّ يَرِدا عَلَيَّ الْحَوض، فَانْظُرُوا كيفَ تَخْلِفُونِي فِيهِمَا"، رواه الترمذي وحسَّنه ، والحاكم في" المستدرك " ،والحديث متواتر رواه أكثر من ثلاثين صحابيًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقد أجمعت الأمة على وجوب الإيمان بالحوض ، فمن أنكر ذلك كفر، كونه كذَّب صريحَ القرآنِ والسُّنَّةِ والإجماع المعتبر. ويُستثنى من ذلك من كان قريب عهد بالإسلام ، أو من جاء من المناطق النائية، أو كان جاهلًا بالحكم، هؤلاء لا يُكَفَّرُوا بل يُعلَّموا. قال الإمامُ عبدُ الواحدِ بنُ عاشرٍ المالكيِّ المغربيِّ الأندلُسِيِّ الأنصاريِّ رحمهُ اللهُ تعالى وَقَدَرٍ كَذا صِراطٌ ميزانْ *** حوضُ النَّبيِّ جَنَّةٌ ونِيرَانْ وقال الإمام أبو العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني القرشي المالكي الأشعري في منظومته "إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة": وَحَوْضُهُ مِمَّا بِهِ النَّصُّ وَرَدْ *** وَفِيْهِ خُلْفٌ هَلْ بِهِ الْهَاِدي انْفَرَدْ وًهْوَ الأَصَحُّ أَوْ لِكُلِّ مُرْسَلِ *** حَوْضُ مِنَ الْعَذْبِ الرَّحِيقِ السَّلْسَلِ وَكَوْنُهُ بَعْدَ الصِّرِاطِ مُخْتَلَفْ *** فِيْهِ وَبَعْضٌ بِالتَّعَدُّدِ اعْتَرَفْ والله ورسوله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>38<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السمعيات (( وجوب الإيمان بالصِّراط )) الدرس الثامن و الثلاثون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أما بعد ،، الثالث عشر : وجوب الإيمان بالصِّراط : الصِّراط لغةً : الطريق الواضح ، واصطلاحًا: هو جسرٌ ممدود على متن وظهر جهنَّم ،يبدأ من الأرض المبدلة في الدنيا وينتهي إلى ما يلي الجنة ،يــَرِدْهُ جميع الخلائق ،المؤمنون منهم والكافرون ، فالمؤمنون الأولياء السَّابقون بالخيرات يمُــرَّون على الصراط كلمح البصر، ومنهم كالبرق الخاطف، ومنهم كالريح العاصف، ومنهم من يرده ورود دخول أي يزِّلون منه إلى جهنَّم، وهؤلاء هم الكافرون وعصاة المسلمين ،والعياذ بالله تعالى . والصِّراط أرقُّ من الشعرة وأحدُّ من السيف ،كنايةً عن الشدَّة والمشقَّة التي تلحق بالكافرين وبعض العصاة من المؤمنين ،أمَّا أن يكون على معنى الحقيقة " أرقُّ من الشعرة وأحدُّ من السيف" فهذا ليس ببعيد إذ قدرة الله تعالى صالحة لهذا ولغير هذا ، وهناك من العلماء من قال هذا . قال الله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ﴾ (سورة الفاتحة:6 ، 7)، وقال سبحانه وتعالى:﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ ،(سورة الصافات:22،23،24)،وقوله تعالى : ﴿فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ﴾ (سورة يس:66)، وقوله تعالى:﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ (سورة مريم :71،72) ، وغيرها كثير . أمَّا من السُّنَّة الشَّريفة : ما جاء من حديثٍ طويل عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ﴿ لَيَمُرُّ الناس على جسر جهنَّم ،وعليه حسكٌ وكلاليبٌ وخطاطيفٌ، تخطفُ النَّاسَ يمينًا وشِمالًا، و بجنبتيه ملائكة يقولون اللهمَّ سلِّم سلِّم ،فمن النَّاسِ من يَمُرُّ مثلَ الرِّيح ،ومنهم من يَمُرُّ مثلَ الفَرَسِ المجرى، ومنهم مَنْ يَسْعَى سَعْيًا، ومنهم مَنْ يَمْشى مَشْيًا، ومنهم مَنْ يَحْبُو حَبْوًا ،ومنهم مَنْ يَزْحَفُ زَحْفًا ،..الحديث ﴾ رواه ابن حبان في صحيحه ،والحاكم في المستدرك وغيرهما. و أخرج مسلم من حديث سيدنا أبي سعيد رضي الله عنه قال :"بلغني أنه أدق من الشعر، وأحد من السيف" ،يعني الصراط. وقد روى الإمام أحمد والشيخان عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه ، أنّ سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال : ﴿ يُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَىْ جَهَنَّمَ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ ، وَ لاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ الرُّسُلُ ، وَ كَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ . وَفِى جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ ؟﴾ قَالُوا: نَعَمْ . قَالَ: ﴿ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو ﴾ . وقد أجمعت الأمة على وجوب الإيمان بالصِّراط ، فمن أنكر ذلك كفر، كونه كذَّب صريح القرآن والسُّنَّة والإجماع المعتبر، ويُستثنى مَنْ كان قريب عهد بالإسلام ،أو جاء من المناطق النائية البعيدة، أو كان جاهلٌ بأحكام الشرَّع ،هؤلاء لا يُكَفَّرُوا بل يُعلَّموا. قال الإمام أبو جعفرٍ الطحاوي الحنفي رحمه الله تعالى في عقيدته المشهورة: (والْإِيمَانُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ...وَالصِّرَاطِ). وقال الإمامُ عبدُ الواحدِ بنُ عاشرٍ المالكيِّ المغربيِّ الأندلُسِيِّ الأنصاريِّ رحمهُ اللهُ تعالى : وَقَدَرٍ كَذا صِـــــــراطٌ ميزانْ // حوضُ النَّبيِّ جَنَّةٌ ونِيرَانْ وقال الإمام أبو العباس أحمد بن محمد المــَقَرِي التِلْمِسَاني القرشي المالكي الأشعري في منظومته إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة: وَكَالصِّــرَاطِ ذِي الْكَلاِليب وَمَنْ // أُنقذَ مِنْهُ فَهْوَ بِالْفَوْزِ قَمِنْ جِسْرٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمِ الَّتِي // تَهْوِي بِهَا مِنْ رِجْلُه قَدْ زَلّتِ وَمَا يُقَالُ إِنَّهُ أَرَقّ // مَنْ شَعْرٍ صَدِّقْهُ فَهْوَ حَقّ وَفِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ مَا أَرْشَدَا // إِلَيْهِ وَالضَّرِيْرُ فِيْهِ أَنْشَدَا وَالرَّبُّ لا يُعْجِزْهُ إِمْشَاؤُهُمْ // عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يُعِيهِ إنْشَاؤُهمْ واللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالمَين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>37<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السمعيات (( وجوب الإيمان بالميزان )) الدرس السابع و الثلاثون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أما بعد ،، الثاني عشر : وجوب الإيمان بالميزان: يجب على المكلف الإيمان بالميزان، وهو ميزانٌ حقيقيُّ كميزان الدنيا، له لسانٌ وكفَّتان تتَّسعان لأكثر من السماوات والأراضين لا يعلم قَدْره وكيفيَّته إلا الله تعالى، يُوزن به أفعال المؤمنين من الخير والشَّر ،والطاعة والمعصية، فالله تعالى يُحْدِثُ في صحائفِ الأعمالِ وَزْناً بحسبِ درجاتِ الأعمالِ عنده سبحانه وتعالى، فتكون مقادير أعمال العباد معلومة عنده، حتى يظهر لهم الفضل في العفو وتضعيف الثواب أو العدل في العقاب. والميزان خاصٌ بالمؤمنين، فالأخيار الأتقياء من المؤمنين لا يوزن لهم أعمال بل يُزَفُّوا إلى الجنة من غير وزنٍ ولا حساب، وهؤلاء هم الأوَّلون ،أمَّا الفُجَّارُ الكافرون لا قَدْرَ لهم عند الله ، فلا ينفعهم عملهم مهما كان مع الكفر، بل يُقذفوا في النَّار قذفًا، قال تعالى: ﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ، فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ (سورة الكهف:105)، وذلك أن الكفار لا اعتبار لهم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: { ضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ } ، (رواه مسلم)، والبعض منهم توزن لهم أعمال ،كمن يفعل الخير، ويصل الرحم، ويحسن للجار وغير ذلك، فيكون عذابهم في نار جهنَّم أخف من غيرهم من الكفار. وأما المؤمن وإن كان ضعيفًا أو نحيفًا وما سوى ذلك فيقام له وزن فعن أم موسى قالت سمعت الإمام علياً عليه السلام يقول: { أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن مسعود أَنْ يَصْعَدَ شَجَرَةً فَيَأْتِيَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا ، فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى حُمُوشَةِ سَاقَيْهِ فَضَحِكُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: مَا يُضْحِكُكُمْ ؟ لَرِجْلُهُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ } ، (رواه الطبراني). وليُعلم أنَّ الميزان واحدٌ لجميع الأمم ولجميع الأعمال، وإنما ذُكِر في بعض النصوص بصيغة الجمع "الموازين" للتعظيم من شأنه وليس للتعدد. قال الله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا، وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ (سورة الأنبياء:٤٧). وقال تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ، فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾(سورة الأعراف:8،9) أمّا ما جاء في السنة المشرفة عن وزن الأعمال ما رواه الإمام أحمد وابن حبان والترمذي وابن ماجه والحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : { إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ أَفَلَكَ عُذْرٌ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاَّتِ فَقَالَ إِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ. قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ فَلاَ يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ} . كذلك ما أخرجه البيهقي في "شعب الإِيمان" عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال:{ الميزان له لسان وكفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات، فيؤتى بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فتثقل على السيئات فتؤخذ فتوضع في الجنة عند منازله، ثم يقال للمؤمن: اِلْحَقْ بِعَمَلِك، فينطلق إلى الجنة فيعرف منازله بعمله، ويؤتى بالسيئات في أقبح صوره فتوضع في كفة الميزان، فتخف، والباطل خفيف فتطرح في جهنم إلى منازله فيها، ويقال له: اِلْحَقْ بعملك إلى النار، فيأتي النار فيعرف منازله بعمله وما أعد الله له فيها من ألوان العذاب }. وقد أجمعت الأمة على وجوب الإيمان بالميزان، فمن أنكر ذلك كفر، كونه كذَّب صريحَ القرآنِ والسُّنَّةِ والإجماع المعتبر. ويُستثنى من ذلك من كان قريب عهد بالإسلام، أو من جاء من المناطق النائية ،أو كان جاهلًا بالحكم، هؤلاء لا يكفروا بل يُعلَّموا. قال الإمام أبو جعفرٍ الطحاوي الحنفي رحمه الله تعالى في عقيدته المشهورة: (والْإِيمَانُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ...، وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ ). قال الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي المغربي الأندلسي الأنصاري رحمه الله: وَقَدَرٍ كَذا صِراطٌ ميزانْ // حوضُ النَّبيِّ جَنَّةٌ ونِيرَانْ والله ورسوله أعلم اللهمّ ارحم مشايخنا ومن علمنا وكل من له حقّ وفضل علينا ،، ربِّ واحفظ دعوتنا وعلّي رايتنا وانصرنا على القوم الظالمين بفضلٍ وكرمٍ منك يا أرحم الراحمين ،، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين حمداً يُوافي نعمه و يُكافىء مزيده ،، وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين..
<b>العنوان: </b>36<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السمعيات (( وجوب الإيمان بالحساب )) الدرس السادس و الثلاثون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أما بعد ،، وجوب الإيمان بالحِسَاب : والحساب: هو عَرْض أعمال العباد عليهم ،والأصل أنَّه حسابٌ شاملٌ للجميع ، يُستثنى منه أسيادنا الرُّسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،والشهداء والصدِّيقين ومَنْ شاء الله تعالى أن لا يُحاسب، وهؤلاء الكرام لا يُسألوا لذات المسائلة وإنَّما قد يُسألوا سؤال الوَجَل والامتنان ،فيصيب الإنسان وجَلٌ من كثرة النِّعم التي منَّها الله عليه في الدنيا والآخرة. والكلُّ يُحاسب معًا ،لا يَشْغَلُ المولى سبحانَهُ وتعالى مُحَاسَبَةُ أحَدٍ عَنْ أَحَدٍ، بل يُحاسَبُوا جميعًا معًا بما لا تتصوره عقولنا القاصرة في هذه الدنيا، والجميعُ مشغولٌ، إمَّا فَرَحًا وإمَّا تَرَحًا، فَيُسَرُّ المؤمنُ التَّقِيُّ، ويَجْزَعُ الكافرُ الشَّقِيُّ، والمُحاسَبَةُ مُتَفَاوِتَةٌ فِي ذَاتِها، فَمِنَ الحِسَاب ِما هو يَسِيرُ ،ومنهُ العظيمُ، ومنهُ السِّرُ، ومنهُ الجَهْرُ، ومنهُ العَدْلُ ،ومنهُ الفَضْلُ . قال تعالى :{ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ } سورة إبراهيم الآية41 ، وقوله تعالى :{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ،فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ، وَيَصْلَى سَعِيرًا } سورة الانشقاق الآية 7-12 ، وقوله تعالى :{إنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا}سورة النبأ الآية 27. أمَّا من السُّنَّة الشريفة حديث السيدة عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها وعن أبيها، عَنْ سيدنا ومولانا رسول اللَّهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ :{مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ}، قَالَتْ: قُلْتُ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :{ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا }، قَالَ :{ ذَلِكِ الْعَرْضُ} رواه الإمام أحمد والبخاري وغيرهما ،وقال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:{وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِهِ }رواه الترمذي وابن ماجة، والحثيثة :المجموعة. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم , سبعون الفاً هنا يُفهم منه بأن العدد لا يفيد الحصر لأن رحمة الله لا تحد . وعن سيدنا صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ :كَيْفَ سَمِعْتَ سيدنا ومولانا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى، فَقَالَ :سَمِعْتُ سيدنا ومولانا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ:{إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ،فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ "هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" }رواه البخاري وغيره. وقد أجمعت الأمة على وجوب الإيمان بالحساب، فمن أنكر ذلك كفر، كونه كذَّب صريح القرآن والسُّنَّة والإجماع المعتبر، إلا مَنْ كان قريب عهد بالإسلام ،أو جاء من المناطق النائية البعيدة، أو كان جاهلٌ بأحكام الشرع ،فنحن نؤمن بالحساب ولكن لا نستطيع تصوُّر حقيقته كباقي الغيبيَّات. قال سيدي الإمام برهان الدين إبراهيم اللَّقاني المالكي رحمه الله تعالى في "جوهرة التوحيد" : وفي الزَّمَنْ قولَانِ و "الحِسَابِ" // حَــقٌّ ، وما في حَقٍّ ارتِيَابِ فالسَّيئاتُ عِنْدَهُ بِالمِثلِ // والحَسَناتُ ضُوعِفَتْ بِالْفَضْلِ لطف الله تعالى بعباده المؤمنين، وستر عيوبهم وذنوبهم يوم الدِّين ،وجعلهم من الفائزين المــُفْلِحين، اللهمّ آتِنَا كتابَنَا بِيَمِيْنِنَا، واجْعَلْ حِسَابَنَا حِسَابًا يَسِيْرًا ،نَشْهَدُ بأنَّ اليومَ عَمَلٌ ولا حِسَاب ،وغدًا حسابٌ ولا عَمَل. والله ورسوله أعلم وصلِّ اللهم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبيين الطاهرين
<b>العنوان: </b>35<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السمعيات (( وجوب الإيمان بنَشْرِ الصُّحف )) الدرس الخامس و الثلاثون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أما بعد ،، عاشرًا : وجوب الإيمان بنَّشر الصُحُف : ويجب على المكلف الإيمان بنشر صُحُف الأعمال ،فهي تُطوى عند الموت وتُنْشر عند الحساب ، فعندما ينفخ سيدنا إسرافيل عليه السلام نفخته الثانية في البوق تتطاير الصُحُف ،وكل صحيفةٍ تأتي صاحبها تتعلق في رقبته لا تُخْطِئْهُ، يكون فيها مثاقيلُ الذَّرِّ ، ومثاقيلِ الخَرْدل من الخير والشَّر، ومن الصحف ما هو مقروء ، ولكن الفضح لا يكون إلا للكفار والزنادقة - والزنديق: هو مَنْ اعتقد الكفر وجاهر به ودعا له- ، ثم تأتي أسيادنا الملائكة الكرام وتأخذ الصُحُف من الرقاب، فمن جاءته صحيفته من قُبُل فهو المؤمن ويأخذها باليمين ، ومن جاءته من الدُّبُر فهو الكافر ويأخذها بالشمال ، أمّا مَنْ جاءته من وراء ظهره فهو المنافق - والمنافق : هو مَنْ أبطن الكفر وأظهر الإسلام- ، ثم َّيأتي المـــَلَكُ ويأخذه على الإشهاد ثم تُوضع بيده الشِّمال. قال تعالى :{ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} سورة التكوير الآية 10، وقال تعالى :{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} الحاقة 19،20،21، فهؤلاء هم أهل الصلاح والفلاح يُعْطَون كُتُبِهم بأيمانهم تَمَيُّزًا لهم ورِفْعَةً لِشَأنِهم ، وأمّا قوله تعالى :{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}الحاقة 25،26 هؤلاء هم أهل الفجور والطُّغيان يُعطَون كتبهم بالشِّمال تَحقيرًا لهم ولمكانتهم والعياذ بالله تعالى . وقوله تعالى في حال المنافقين:{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ، وَيَصْلَى سَعِيرًا } سورة الانشقاق الآية 10،11،12 وقوله تعالى :{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} سورة الإسراء، الآية 13،14 وغير ذلك كثير. أمّا الدليل على نشرِ الصُحُف من السُّنَّة الشريفة ما روته السيدة أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهَا ، قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وآله وسَلَّم يقول : { يُحْشَرُ النَّاسُ عُرَاةً حُفَاةً } فَقَالَتْ السيدة أُمُّ سَلَمَةَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَاسَوْءَتَاهُ يَنْظُرُ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ ؟ فَقَالَ سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : {شُغِلَ النَّاسُ}، قُلْتُ : مَا شَغَلَهُمْ ؟ قَال : {نَشْرُ الصُّحُفِ ، فِيهَا مَثَاقِيلُ الذَّرِّ ، وَمَثَاقِيلُ الْخَرْدَلِ}رواه الطَّبَرَانِيُّ فِي" الأَوْسَطِ "بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وعن سيدنا أَنَسٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : « يُجَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصُحُفٍ مُخَتَّمَةٍ فَتُنْصَبُ بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلاَئِكَتِهِ أَلْقُوا هَذَا وَاقْبَلُوا هَذَا فَتَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ وَعِزَّتِكَ مَا رَأَيْنَا إِلاَّ خَيْرًا فَيَقُولُ _ وَهُوَ أَعْلَمُ _ إِنَّ هَذَا كَانَ لِغَيْرِى وَلاَ أَقْبَلُ الْيَوْمَ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا ابْتُغِىَ بِهِ وَجْهِى ». رواه الدارقطني في سننه . وقد أجمعت الأمة على وجوب الإيمان بنشر الصُحُفِ يوم القيامة، فمن أنكر ذلك كفر، كونه كذَّب صريحَ القرآنِ والسُّنَّةِ والإجماع المعتبر. و يُستثنى من ذلك من كان قريب عهد بالإسلام ، أو من جاء من المناطق النائية ،أو كان جاهلًا بالحكم ،هؤلاء لا يكفروا، بل يُعلَّموا . قال سيدي الإمام برهان الدين إبراهيم اللَّقاني المالكي رحمه الله تعالى في "جوهرة التوحيد" : و وَاجِبٌ أَخْذُ العِبادِ الصُّحُفَا // كمَا مِنَ القُرآنِ نَصًّا عُرِفَا والله ورسوله أعلم وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين .
<b>العنوان: </b>34<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السمعيات (( وجوب الإيمان بالحَشْر )) الدرس الرابع و الثلاثون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أما بعد ،، تاسعًا : وجوب الإيمان بالحَشْر : الحَشْرُ هو: سَوْقُ النَّاس إلى المَوْقِفِ بعد البعث لفصل القضاء، ويكون هذا بعد النفخة الثانية ،والموقف يكون في بلاد الشام أرض المَحْشَرِ والمَنْشَرِ، وهي أرضٌ بيضاءٌ مستويةٌ كالأديم- وهو الجِلْدِ المَشْدُود- لا جبال فيها ولا وديان ولا غيرها ،فيحشر الناس حفاةٌ عراةٌ ،من شدة الهَوْلِ لا نرى عورات بعضنا والكل يقول "نفسي ،نفسي "، ويُحْشَرُ المكلفون على وِفْقِ أعمالهم في الدنيا، وما خُتم لهم عليه، ويكون الحشر للإنس والجنِّ والدَّواب والطيور ،حتى أنَّه يؤتى بالشاة العجفاء _وهي الشاة الكسيرة الهزيلة- ويُقْتَصُّ لها ،ثمَّ يُؤتى بالموت على شكل كَبْش، ثم يُذبَحُ ويموت، وينادي منادي يا أهل الجنة خلودٌ ولا موت، ويا أهل النار خلودٌ ولا موت، وينادي للحيوانات كوني تراباً فتكون تراباً فيقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا، وما هو بكائن . ودليل ذلك من القرآن الكريم : قول الله تعالى : {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} سورة الكهف ،من الآية 47، وقوله سبحانه وتعالى :{ومَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} ،سورة الانعام الآية 38، ويكون الحشر كذلك للبهائم لقوله تعالى :{ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } سورة التكوير الآية 5 . أمَّا من السنَّة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام: ما رُوي عن سيدنا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: { يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ -وهو الدَّقيق النَّقيِّ الأبيض -لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ}رواه البخاري ومسلم، وحديث أمنّا السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وعن أبيها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: {تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا – غُرْلًا: أي غير مَخْتُونِين- }، قَالَتْ السيدة عَائِشَةُ فَقُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ :{الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ} رواه البخاري ومسلم، وفي الحديث عَنْ سيدنا أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ سيدنا ومولانا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ : { لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ - التي لا قرن لها - مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ }.رواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ" الشاة الجَمَّاء" ، واللفظ هنا لمسلم ، وعن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { إذا دخل أهل النار النار و أدخل أهل الجنة الجنة يُجاء بالموت كأنه كبش أملح فينادي منادي يا أهل الجنة تعرفون هذا ؟ قال: فيشرئبون وينظرون ،وكل قد رأوه ،فيقولون :نعم هذا الموت، ثم ينادي يا أهل النار تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون وكلهم قد رأوه، فيقولون :نعم هذا الموت ،فيُؤخذ فيُذبح ثم يُنادي يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت} رواه النَّسائي في السنن الكبرى . وقد أجمعت الأمة على وجوب الإيمان بالحشر بعد البعث ،فمن أنكر ذلك كفر، كونه كذّب صريح القرآن والسنة والإجماع المعتبر، إلا من كان جديد عهدٍ بالإسلام أو جاء من المناطق البعيدة ،أو كان جاهلًا بالحكم الشرعي فهؤلاء فرُّوا من الكفر ويُعَلَّموا . يقول سيدي الإمام برهان الدين إبراهيم بن هارون اللَّقاني المالكي رحمه الله تعالى في "جوهرة التوحيد" : سُؤَالُنَا ثُمَّ عَذَابُ الْقَبْرِ // نَعِيمُهُ وَاجِبْ كَبَعْثِ الحَشْـــرِ والناس في الحشر على مراتب: •قسمٌ طاعمون كاسون راكبون على نُوقٍ رَحائِلُها من ذهب ،وهم الأتقياء ،جعلنا الله تعالى وإيَّاكم منهم . • وقسمٌ حُفاةٌ عراةٌ ،وهم المسلمون أصحاب الكبائر ،لطف الله تعالى بهم . •وقسمٌ يُجَرُّون على وجوههم ويُؤخذوا بالنَّواصي ،وهم الكفار والعياذ بالله تعالى، وذلك لقوله تعالى :{ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ } سورة الرحمن، الآية 41 ، وعَنْ سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : {يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ صِنْفًا مُشَاةً وَصِنْفًا رُكْبَانًا وَصِنْفًا عَلَى وُجُوهِهِمْ} قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ :وَكَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ ؟قَالَ:{ إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَمَا إِنَّهُمْ يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوْكٍ} رواه الترمذي، أمَّا أسيادنا الرُّسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يُحشروا كالسُّرُجِ المُنيرة من شدَّة تَمَيُّزِهِم عن باقي المخلوقات، قال تعالى :{ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} سورة النساء ،الآية 69 . اللهم احشرنا مع مَنْ نُحب، وارضى عنَّا والطف بنا يا كريم، يوم لا ينفعُ مالٌ ولا بنونٌ إلا من أتاك سبحانك بقلبٍ سليم، اللهمّ آمين. وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين .
<b>العنوان: </b>33<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السمعيات (( وجوب الإيمان بالبعث )) الدرس الثالث و الثلاثون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أما بعد ،، ثامنًّا: وجوب الإيمان بالبعث: والبعثُ هو: إحياء الله تعالى لكل الموتى ،وإخراج أهل القبور من القبور، وعودة الأرواح إلى الأجساد، وكذلك مَنْ لم يدخل القبر، كمن مات حرقًا أو غرقًا أو غيرها تعود أجسادهم كما كانت لِتَلْقى الحساب ،هذا في حقِّ من بَلِيَّ جسده بسببٍ أو بغير سبب، أما من يبقى جسده كما هو كرامةً من الله تعالى وهم السادة الرُّسل والأنبياء، والشهداء والصِّدِّيقين ،ومن شاء الله له ذلك ،فهؤلاء لا يتعلق بهم هذا الأمر . ويكون البعث بعد النفخة الثانية لسيدنا إسرافيل عليه السلام ،قال تعالى:{ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} الزمر من الآية 68، و أول من ينشق عنه القبر هو سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . و الأجساد بعد البعث تعود كما كانت في الدنيا ،إلا أن هذه الأجساد تستحيل إلى أفضل من ذلك لكي تليق بدخول الجنة وذوق نعيمها فضلًا من المولى سبحانه وتعالى ،كذلك أجساد الكفار تستحيل وتُضَخَّم لكي يقع عليها عذاب جهنم عدلًا منه سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث عَن سيدِّنا عبد الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ، يَقُولُ : { إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَعْظُمُونَ ، حَتَّى يَكُونَ مِنْ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ إِلَى مَوْضِعِ عُنُقِهِ سَبْعَ مِائَةٍ ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعِينَ ، وَضِرْسُهُ أَعْظَمُ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ} رواه الطبراني وغيره. الأدلة النقلية على البعث كثيرة جدًا نذكر منها على سبيل المثال : من القرآن الكريم : قوله تعالى:{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } سورة المؤمنون ،الآية 11، وقال تعالى:{ وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ } سورة الحج، الآية 7، وقوله تعالى:{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } الزمر، الآية 68 ، وقوله تعالى:{ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ، ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}. سورة التغابن ،الآية 7. وجاء في السنة الشريفة : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : { مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ،....، ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى مَاءً مِنَ السَّمَاءِ ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ }رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :{ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ، فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لَهُ ، وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَهُ فَيَصْعَقُ ، ثُمَّ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا صَعِقَ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ أَوْ يُنْزِلُ اللَّهُ ، مطْرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوْ الظِّلُّ فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى ، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ } . رواه مسلم وغيره من حديث طويل عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ ، و الراوي نُعْمَانُ هو الشَّاكُّ بين "الطَّلِّ والظِّلِّ " . والإجماع كذلك منعقدٌ على وجوب الإيمان بالبعث ، على هذا فإنَّ منكره ليس بمسلم ،بل هو خالدٌ في نارِ جهنَّم والعياذ بالله ، إلا من كان قريب عهدٍ بالإسلام ،أو قادمٌ من المناطق البعيدة ، و كان جاهلًا بالحكم الشرعي، هؤلاء يُعلّموا . قال الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الأنصاري رحمه الله تعالى : الإيمانُ جَزْمٌ بالإلهِ والكتبْ // والرّسْلِ والأمْلاكِ مع بَـــعـــــــثٍ قَرُبْ والبعثُ للأمواتِ جائزٌ عقلًا، فاللهُ تعالى القادرُ على الخَلْقِ من الْعَدَمْ أولًا، قادِرٌ على الخَلْقِ ثانيًا، فقدرتُهُ تعالى صالحةٌ لهذا و لأكثر من هذا ، قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ } سورة الحج الآية 5. ولْيُعلم بأنَّ قدرة الله تعالى صالحة لجمع وبعث كل الموتى ومنهم الحَرْقَى والغَرْقَى ومَنْ أكلته الطيور والسِّباع والأسماك في البحر ومن قُطِّعَ وحُرِّق وذلك لما رُوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ :{ أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالًا ، فَقَالَ : لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ ، قَالُوا : خَيْرَ أَبٍ ، قَالَ : فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَفَعَلُوا فَجَمَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ : مَا حَمَلَكَ ، قَالَ : مَخَافَتُكَ ، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ } رواه البخاري وغيره . نسأل الله تعالى لنا ولكم الموتَ على كمالِ الإيمان ِوالفوزَ بأوسعِ الجِنانِ بصحبةِ سيدنا النبيِّ المصطفى العدنان، وآلهِ الأطهارِ أمانُ هذا الزَّمان وكلّ زمان ، اللهمّ آمين آمين آمين . والله ورسوله أعلم وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا رسول الله وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين.
<b>العنوان: </b>32<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السمعيات وجوب الإيمان بفناء العالم : الدرس الثاني و الثلاثون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أما بعد ،، فبعد بيان وجوب الإيمان بالموت والقبر ونعيمه وعذابه، والتَّعرض للحياة البرزخية و ما يتعلق بها من أحكام ، هذا أوان الشروع ببيان وجوب الإيمان في اليوم الآخر وما يتعلق به من أحكام . فهو مجموعة من الأحكام العقائدية تشمل فناء هذا العالم ،والبعث، والحَشْر ،والحساب ،والنَّشْر، والميزان ،والصراط ،والحَوض، والشَّفاعة، والجنَّة والنَّار, وقد سُمِّي باليوم الآخر لأنَّه مرتبطٌ بآخر أيام الدنيا، فهو على هذا يبدأ من فناء العالم ،أمَّا آخِرُهُ فلا حدَّ له عندنا، وما يمكن تصوره هو ذهابُ أهلِ الجنَّةِ إلى الجنَّة ،وذهابُ أهلِ النَّارِ إلى النَّار. سابعًا : وجوب الإيمان بفناء هذا العالم : فناء العالم يكون بإرادة الله تعالى، قال تعالى :{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } سورة القصص 88، فيأمر المولى سبحانه وتعالى المَلَكُ سيدنا إسرافيل عليه السلام فينفخ في البوق _وهو كبوق الدنيا قرنٌ مِعْوَّجٌ _ النفخة الأولى فيزول هذا العالم بكل ما فيه من الأحياء ويفنى ، وسيدنا إسرافيل كما جميع أسيادنا الملائكة يُميته سيدنا مَلَكُ الموت، عليهم جميعًا السلام ،ولا يبقى من المخلوقات سوى سيدنا مَلَكُ الموت فيموت بمشيئة الله تعالى، قال تعالى :{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ } الزمر من الآية 68، ويستثنى من الصَّعقة أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام ،وشهداء المعترك. والإجماع منعقدٌ على وجوب الإيمان بفناء العالم ، على هذا فإنَّ منكره ليس بمسلم ،بل هو خالدٌ في نارِ جهنَّم والعياذ بالله ، إلا من كان قريب عهدٍ بالإسلام ،أو قادمٌ من المناطق البعيدة ، و كان جاهلًا بالحكم الشرعي، هؤلاء يُعلّموا. ونعود ونُذكِّر بأنَّ كلّ المخلوقات تموت وتفنى إلا المخلوقات التي شاء الله تعالى لها البقاء، فبقائها ليس ذاتيًا، قال الإمام إبراهيم اللَّقاني رحمه الله تعالى في "جوهرة التوحيد" : وكُلُّ شَيءٍ هالكٌ قدْ خَصَّصوا *** عُمُومَهُ فاطلب لما قَدْ لخَّصُّوا وقد جمعها سيدنا الإمام السيوطي الشافعي رحمه الله تعالى في قوله : ثمانيةٌ حُكْمُ الْبَقاءِ يَعُمُّهَا // مِنَ الْخَلْقِ والْبَاقُونَ في حَيِّزِ الْعَدَمِ هِيَ الْعَرْشُ والْكُرسِيُّ نَارٌ وَجنَّةٌ // وَعَجْبٌ وَ أَرْواحٌ كَذَا الْلَوحُ والْقَلَمُ ولْيُعلم بأنَّه قبل فناء هذا العالم يكون هناك حشرٌ من قعر عدن إلى أرض المحشر (بلاد الشام)،وهذا الحشر لا علاقة له بالحشر بعد الفناء والبعث. والله ورسوله أعلم وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين .
<b>العنوان: </b>31<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السمعيات وجوب الإيمان بالقبر ونعيمه وعذابه : الدرس الواحد و الثلاثون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أما بعد ،، سادسًا: وجوب الإيمان بالقبر ونعيمه وعذابه : أولًا مما يجب أنْ يُعلم أنَّ الدنيا لا تقاس على الآخرة، والآخرة لا تقاس على الدنيا ولا بوجهٍ من الوجوه، لكن هناك مجموعةٌ من الأمور الفاصلة بين الدنيا والآخرة وتُسمى بالبرزخ ، فالبرزخ لغةً :الحاجز، والحدُّ بين الشيئين، فكل شيء بين أمرين يُسمى برزخ ، قال تعالى:{مَرَجَ البحرَيْنِ يَلْتقيان، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيان } .سورة الرحمن، (الآية : 19،20 ). أما اصطلاحًا: هو مجموعة الأمور والأحداث الفاصلة بين الدنيا والآخرة ،يبدأ من الموت وينتهي بالبعث، قال تعالى: {ومِنْ وَرائِهم بَرزَخٌ إلى يومِ يُبْعَثون} ، سورة المؤمنون (الآية :10) . والحياة البرزخية لا تقاس على الدنيا كما لا تقاس على الآخرة كذلك، ولكن لها وجهٌ متعَلِقٌ بالدنيا كالعظام واللحم والدعاء وردِّ السلام وما إلى ذلك، ووجهٌ متعلِقٌ بالآخرة كالنّعيم والعذاب، فيجب على كل مكلَّفٍ الإيمان بالبرزخ، وأنَّ حقيقة البرزخ لا يُدْركها مخلوقٌ إلا من أطلعه الله تعالى على ذلك من أسيادنا الرسل والأنبياء والملائكة عليهم جميعًا الصلاة والسلام . وبناءٌ على هذا يجب الإيمان بالقبر ونعيمه وعذابه حقيقةً وليس معنًى، وأنه واقع في حياة البرزخ، ولكنَّ العقول تعجز عن تصور تلك الحقيقة إلّا من أطلعه المولى عليها، وكيف يوسّع القبر على المؤمن ويكون روضة من رياض الجنة! وكيف يضيق بالكافر ويكون حفرة من حفر النار! فهي كحال كل الأمور الغيبية نؤمن بها ونستدل عليها بما ثبت من الأخبار المتواترة والمشهورة قطعية الدلالة والثبوت، فقد رُوي عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قَالَ: إِنَّ سَيِّدَنا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: { إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ ،وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ} ،، رواه الترمذي والنّسائي والحاكم بسند صحيح. وأمَّا سؤال القبر ونعيمه وعذابه معلوم من الدين بالضرورة من أنكره كفر بالله العظيم ، وكذَّب صريحَ القرآنِ الكريمِ وصريحَ السُّنَةَ الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام ،وكذا الإجماع المعتبر. قال الله تعالى : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } ،،سورة ( ابراهيم :27 ) ، والمقصود بــــ "الحياة الدنيا" هنا ما يشمل سؤالهم في القبر، أما المقصود " بالآخرة "فهو السؤال يوم القيامة، أما عن عذاب القبر فقد قال الله تعالى : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } سورة غافر 46، والملكان الموكلان بالسؤال في القبر هما أسيادنا منكر ونكير عليهما السلام ،وسبب تسميتهما بذلك هو نكارة العبد المسؤول لهما وعدم معرفته ورؤيته في السابق لمثل شكلهما عليهما السلام . والأحاديث الشريفة في ذلك كثيرة، منها ما رُوي عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: { الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوْ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ} ، رواه البخاري ومسلم . وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ : { إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا} ، رواه البخاري ومسلم. وعن كل ذلك قال الإمام الجليل أبي جعفرٍ أحمدُ بن سلامة الطَّحاوي الحنفيّ رحمه الله تعالى في عقيدته المسماة "بيانُ عقيدة أهل السُّنَةِ والجَمَاعَة ": "ونؤمن بملكِ الموت الموكل بقبض أرواح العالمين، وبعذاب القبر لمن كان له أهلًا، وبسؤال منكر ونكير للميت في قبره عن ربِّه ودينه ونبيِّه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، والقبر روضةٌ من رياض الجنة، أو حفرة من حُفَرِ النَّار". اهــــ . والله ورسوله أعلى وأعلم وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين .
<b>العنوان: </b>30<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السمعيات وجوب الإيمان بالموت وبالرُّوح الدرس الثلاثون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أما بعد ،، فَبَعْدَ أنْ تمَّ التَّعرف على علامات الساعة وأشراطها، الصغرى منها والكبرى، والتي تُقبل معها التوبة والتي لا تُقبل معها التوبة مع بيان أنّه يتوجب على المكلف الإيمان بها جميعًا وإلّا نُزِعَت ربقة الإسلام من عُنقه وارتدَّ عن الهدى، نشرع الآن بالكلام على وجوب الإيمان بالموت، وهو من السَّمعيات التي يجب الإيمان بها دون الإلمام بحقيقتها، وذلك لعجز عقولنا عن إدراك حقيقته. رابعــــًا: وجوب الإيمان بالموت : وهو: ضدّ الحياة، وعلامته مفارقة الروح للجسد، ومُنْكرِ الموتَ كافرٌ كونه أنكر صريح القرآن الكريم والسنة والإجماع واتفاق الأمم ،وما هو مشاهد بالحسّ. فقد قال تعالى :{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} سورة "الأنبياء" ، الآية 35، وقال تعالى : {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وإليهِ تُرْجَعون}سورة "القصص"، الآية 88، وقال تعالى : { إنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} سورة الزمر ،الآية 30 ، وللموتِ مَلَكٌ كريمٌ مُوكلٌ بقبض الأرواح، قال تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } سورة السجدة ،11 ، ولم يثبت كتابًا ولا سنَّةً أنَّ اسمه "عُزرائيل"، وهو بالمؤمنين رحيمٌ ورفيقٌ ،ويكفي المؤمن بشارة رؤيته لملك الموت عليه السلام ، قال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} سورة النحل 32، أمَّا الكافر فملك الموت عليه السلام ليس رحيمًا به، بل ينتزع روحه انتزاعًا، فقد قال تعالى : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } سورة النحل، الآية 28+29 ومما تجدر الإشارة إليه بأنَّ الميتُ ميتٌ بعمره وأَجَله ، سواءٌ كان مريضًا أو قتيلًا، أو منتحرًا، أو غير ذلك، فالموت بخلقِ المولى سبحانه وتعالى، والسَّبب كسبٌ ، والحدُّ والقصاص ُوغير ذلك مما جرت به العادة كلُّهُ من قبيل الأسباب ،وصدق ابن نَبَّاته السعدي حيث قال: ومنْ لم يَمُتْ بالسَّيفِ ماتَ بغيرِه // تعدَّدتِ الأسبابُ والموتُ واحدُ فكله سابقٌ في علم الله تعالى كونه سيموت قتلًا أو انتحارًا أو مرضًا أو حرقًا أو غير ذلك . خامسًا : وجوب الإيمان بالرُّوح : والرُّوح هي جوهرٌ لطيف متشابكٌ في البدن تذهب الحياة بذهابها ، ووصفها بعض السادة المحققين بأنها تتشابك مع البدن كما يتشابك الماء مع العود الأخضر، وبهذا جزم الإمام النووي رحمه الله تعالى. وحقيقة الروح لا نفهمها ولا نستطيع تصورها، ولكن نشعر بها، قال تعالى : {وَيَسألونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ ربَّي} سورة الإسراء،85، والروح مخلوقةٌ باقيةٌ لا تفنى، وبقائها هذا ليس ذاتيًا بل بإرادة الله تعالى لها، ومثلها اللوح والقلم والجنة ونعيمها والنار وعذابها والعرش والكرسي وعُجْبُ الذَّنْبِ, و مَلَكُ الموت عليه السلام هو الموكل بقبض هذه الأرواح ،فكل ما له نفسٌ تُقبضُ روحه مِنْ جنٍّ وإنسٍ وملائكةٍ كرامٍ ،وكذلك بقية المخلوقات كبيرها وصغيرها ، ويُحكم على النفس بالموت عندما تفارق الروح الجسد ، فإن كانت هذه الروح مؤمنةً تبقى مُنَّعمة، وإن كانت كافرة تبقى مُعذَّبة، حتى يكون أمر الله تعالى بإعادة الأرواح إلى الأجساد عند البعث وسيأتي بيانه لاحقًا إن شاء الله تعالى . اللهمّ ارحم مشايخنا ومن علّمنا وكل من له حقٌّ وفضلٌ علينا ،، اللهمّ وارحم والدينا كما ربونا صغارًا . وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>تابع 29<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السَّمعيات يتبع : وجوب الإيمان بعلامات الساعة الكبرى الدرس التاسع والعشرون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أما بعد ،، ((ثانياً: العلامات الكبرى التي لا تقبل معها التوبة )) : قال تعالى:{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ} ،(سورة الانعام الآية، 158) وهذه الآيات: 1)طلوع الشمس من المغرب: وهي من العلامات الغريبة العظيمة التي لا تقبل معها التوبة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ:{ بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا, الدَّجَّالَ, وَالدُّخَانَ, وَدَابَّةَ الأَرْضِ, وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا, وَأَمْرَ الْعَامَّةِ, وَخُوَيِّصَّةَ أَحَدِكُمْ } ،(رواه مسلم) ، وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ:{ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ فَذَلِكَ حِينَ "لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا " }(رواه البخاري )، وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ:{ مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ } ،(رواه مسلم ). 2) خروج الدّابة "الجَسَّاسَة ": قال تعالى:{ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ } (سورة النمل الآية 82)، وأخرج مسلم عن السيدة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنَّ سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ....فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ فَقُلْنَا وَيْلَكِ مَا أَنْتِ فَقَالَتْ أَنَا الْجَسَّاسَةُ... الحديث ، وفي حديث مسلم السابق: بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا ذكر منها وَدَابَّةَ الأَرْضِ . فائدة: الظاهر أن خروجُ الدَّابةِ وطُلُوعُ الشمسِ من مغربها متلازمان ، والفرق بينهما أنَّ خروج الدَّابة أوَّلية حقيقيَّة ، فالدَّابة وهي الجسَّاسة – سُمِّيت بالجسَّاسة لأنَّها تجسس أخبار النَّاس – وكذلك المسيح الدَّجال موجودان منذ أن اجتمع بهما سيدنا تميم الدَّاري وأخبر بذلك سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما أنَّ يأجوج ومأجوج وهم جنسٌ من القبائل موجودة ، ولكنها مسجونة في السُّور حتى يأذن المولى بخروجهم جميعًا، ومثل هذا الأمر دليله القرآن والسُّنَّة ومن أنكره نزع ربقة الإسلام من عنقه لأنه كذَّب صريح القرآن والسُّنَّة كما مرَّ معنا . وبناء عليه فإنَّ خروج الدَّابة يكون قبل خروج الشَّمس من المغرب، وطلوع الشمس على إثرها مباشرة ، لأنَّ الدابة تُكلِّم الناس بما هو كائن من حالهم، فمن كان الظاهر من حاله الإسلام وأخبرته الدَّابة أنَّه يموت على غير الإسلام ،فهو كذلك ، لأنها مأمورة أطلعها الذي خلقها على حقائق الأمور ، فلا يتخلَّف ما أخبرت به، وذلك من عجائب الأمور الدَّالة على قدرة الخالق سبحانه وتعالى. ومثاله ما جاء عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: حدَّثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم وهُوَ الصَّادقُ المَصْدوق: ".... فَوَاللهِ الَّذي لا إله غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ ليَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حتى ما يكُون بَيْنَهُ وبَيْنَها إلا ذِرَاعُ، فَيَسْبقُ عَليْه الكِتابُ فَيَعْمَلُ بعَملُ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُها...الحديث "، رواه البخاري ومسلم، و معنى هذا الحديث وما سبق من خروج الدابة كله محمولٌ على معنى ما يظهر للناس وليس حقيقة الأمر لأن الظاهر من حال هؤلاءِ الإيمان وفي باطنهم الكفر . فبعد توصيف الدَّابة لحقائق النَّاس -بأن يكون مؤمنًا أو منافقًا - وهم في غفلة من هذا ، تعود عليهم الرِّيحُ الطِّيبة فتأخذ المؤمنين وتَدَع المنافقين الذي يُظهرون الإسلام ويُبْطنون الكفر ، وعلى هذا المعنى فإنَّ الرِّيح لا تأخذ إلا مَنْ وَسَّمتهُ الدَّابة بالإيمان ،وتَدَع مَنْ وسَّمَتهُ بالنِّفاق، حينها تخرج عليهم الشمس من مغربها فلا ينفع نفسٍ إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، وعلى هؤلاء تقوم الساعة ، أي عند تسمية وكَشْف الدَّابة لحقائق الأمور وعليه يُحمل حديث عبد الله بن عمرو حيثُ قال : حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ:{ إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا} رواه مسلم ، وبناءً على هذا فإنَّ التوبة لا تُقبل من التَّائبين لأنهم أُنْذِروا وأُعْذِروا بها قبل ظهورها ولم يُصدِّقوا بها إلا بعد أن تحقَّقَ وجودها فكان ذلك علامة فاصلة بين قَبول التَّوبة و رَدِّها ،وليس بين صِدقها وقَبولها . والشيءُ بالشيءِ يُذكر ، فما مرَّ سابقًا من نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام وأنَّ النَّاس يعيشون بُرْهةً من الزمن ليس بين اثنين عداوة ،هذا كلامٌ صحيحٌ ،ولكن لا يلزم منه عدم وجود المنافقين في ذلك الزَّمان ،بل هم كُثر، ولكن العدل والأخذ على يد الظالم وإنصاف المظلوم هو الذي يظهر للرَّائي في ذلك الزَّمان أنَّه ليس بين اثنين عداوة ظاهرة ,كما كان ذلك في زمن سيدنا محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنَّ العدل هو الذي منع النَّاس من الظلم رغم كثرة المنافقين الذين يتربَّصون بالحقِّ وأهله، وكذلك في زمن سيدنا عيسى وقبله المهدي عليهما السلام . و مما يجب أن يُعلم أنه بعد خروج الدَّابة وطلوع الشمس وإرسال الرِّيح الطيِّبة وفيض روح المؤمنين , يتحقق الشَّيطان أنه لم يبقى من أهل الإيمان أحد ، فينادي بالنَّاس أنَّه لم يبقى مؤمن على وجه الأرض فيُظهر المنافقون كوامن بطونهم من الكفر ، وعلى هؤلاء تقوم الساعة، فأن السَّاعة لا تقوم وعلى الأرض مؤمن في قلبه مثقال ذرة من إيمان . فتدبَّر أخي المؤمن كيفية الجمع بين الآيات والأحاديث لفهم عويص المسائل كمثل هذه المسألة . هداني الله وإياك إلى الصَّواب .والله ورسوله أعلم وأحكم . كانت هذه لمحةٌ وجيزةٌ من بعض ما يتعلق بأشراط الساعة، والمعروف أنَّها متتابعة وكثيرة وعظيمة، وأكثرها خطورة هي العلامات الكبرى، وكما قلنا سابقًا يكون بين العلامة والأخرى علامات منها ما هو باقي ومنها ما يختفي ويزول وهكذا، والأصل الإيمان بها جميعًا لأن الإيمان كلٌ واحدٌ لا يتجزأ، نسأل الله العظيم الحليم الذي لم يَلد ولَم يُولَد أنْ يُعَمِّرَ قلوبَنا وإيَّاكم باليَقِين به ، وأن يختم لنا على كامل الإيمان، ويرزقنا العفو والعافية في الدِّين والدنيا ، اللهمَّ آمين . وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>29<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السَّمعيات وجوب الإيمان بعلامات الساعة الكبرى الدرس التاسع والعشرون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أما بعد ،، فالقسم الثاني من أشراط الساعة، ألا وهي العلامات الكبرى، وهي كما قلنا سابقًا علاماتٌ مَهِيْبةٌ عظيمةٌ يليها القيامة مباشرةً، وتنقسم إلى: أولاً: العلامـــات الكبــــرى التي تُقبل معها التوّبة: وهيَ علامات كثيرة لا يلزم فيها الترتيب ولقد جاء غالبها مجملًا، عَنْ سيدنا حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: " اطَّلَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ"، فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: {مَا تَذْكُرُونَ؟ } قَالُوا: "نَذْكُرُ السَّاعَةَ "، قَال :{ إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلَوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزَولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ } (رواه مسلم)، 1)الدُّخَان: إنَّ الدُّخانَ دُّخان عذابٍ للكافر فيأخذ بأنفاسه، وبالنسبة للمؤمن فهو أمانٌ ورحمةٌ، وقيل أنّهُ يمكث أربعين يومًا في الأرض، وهو لم يأتِ بعد، بل قريبٌ من قيام الساعة، قال تعالى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} ، (سورة الدخان، من الآية 10)، وَرَوَى اِبْن جَرِير عَنْ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { يَخْرُج الدُّخَان فَيَأْخُذ الْمُؤْمِن كَهَيْئَةِ الزُّكَام وَيَدْخُل مَسَامِع الْكَافِر وَالْمُنَافِق حَتَّى يَكُون كَالرَّأْسِ الْحَنِيذ}، أي المشوي. 2)يأجوج ومأجوج: قال تعالى:{ حَتّىَ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُون} (سورة الأنبياء،الآية96)، وقوله تعالى:{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً، قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} ، (سورة الكهف،93،94) وعنْ السيدة زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا أَنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ:{ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا } ، قَالَتْ السيدة زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ:{ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ} ،(رواه البخاري )، وفي الحديث الطويل، عَنْ سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ:{ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَيَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ كَأَشَدِّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ وَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَهُمْ إِلَى النَّاسِ حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَسْتَثْنِي فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ فَيُنَشِّفُونَ الْمِيَاهَ وَيَتَحَصَّنَ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ وَعَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ فَيَقُولُونَ قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا_ نوع من الدود يكون تحت قرن الخروف_ فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا } ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ:{ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمَنُ شَكَرًا مِنْ لُحُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ} ، (رواه الإمام أحمد في المسند). 3)ثلاثة خسوف: المقصود ثلاثة خسوف تكون عظيمة ومهيبة ليست معتادة كحال الخسوفات التي حدثت وما زالت تحدث إلى الآن، ودليلها ما رواه مسلم في الحديث السابق أنَّه قبل الساعة يقع عشر آيات منها: { وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ} ، و ما أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث صُحَارى:{ لا تقومُ السَّاعةُ حَتَّى يُخْسَفَ بِقَبَائِلَ مِنَ الْعَرَبْ} . 4) نار تطرد النّاس إلى محشرهم: جاءت فيها روايات كثيرة، والصحيح أنَّ مصدر خروجها اليمن، ثمّ تنتشر بسرعة وتذهب شمالًا ويمينًا وفي كلِّ الاتجاهات، لأنَّها مأمورةٌ فتدفع النّاس إلى أرض الشام "أرض المحشر" في الدنيا قبل قيام الساعة، ويكون عليها الفصل بين أهلِّ الحقِّ وأهلِّ الباطل، لِما جاء عن سيدنا أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: { أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ }،( رواه البخاري وغيره)، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: { سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ} قَالَ :قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَاذَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ:{ عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ }(رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما) 5)خروج سيدنا المهدي المنتظر عليه السلام: واسمُهُ محمدٌ أو أحمدٌ، وسمِّيَ بذلك إسوةً بالنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لأنه كثيرُ الخصالِ المحمودة، من نسل السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء، من وَلَدِ سيدنا الحسن عليهم السلام، يولدُ في المدينة ويُبايع في مكة، ومهاجره بلاد الشام، ويكون ظهوره قبل نزول سيدنا عيسى عليهما السلام، وهو مُلْهمٌ مجتهدٌ قولهُ جزلٌ وحكمهُ فصلٌ عليه السلام، يحكم بكتاب الله تعالى، ويُحْيِّ ما حُرِفَ من سنة جده صلى الله عليه وآله وسلم، ويملأ الأرض عدلاً وأمناً بعد أن مُلئت ظُلماً وجوراً وخوفاً، لِمَا جاء عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:{ لوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إلا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يِبْعَثَ اللهُ فِيْهِ رَجُلاً مِنِّي - أو مِنْ أَهْلِ بَيْتِي -يُواطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، واسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئتْ ظُلماً وَجوراً}(رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ) . 6) الدَّجال: سُميّ كذلك لأنه يغطي الحقّ بالباطل ويسمى بالمسيح الدَّجال لأنه يمسح الأرض جورًا وظلمًا وبهتانًا بعد أن يطأها، ولأنه ممسوح العين أيضًا، فعينه كحبةِ عنبٍ طافيةٍ لا سوادَ فيها ولا بياض، مكتوب على جبينه ك ف ر من قرأ عليه فواتح سورة الكهف نجا بفضل الله، والأحاديث فيه لعنه الله تعالى كثيرة متواترة منها ما جاء في الحديث الطويل عن السيدة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: { إَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ فَلَعِبَ بِهِمْ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ...قال دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ.... قال إِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا} ، (رواه مسلم)، وفي زمن الدَّجال يكون قد عمّ البلاء وانتشر، لا سيما في بيت المقدس، والذي يشرع في قتال الدَّجال هو سيدنا المهدي المنتظر عليه السلام، حتى يشتد البلاء على المسلمين فينزل سيدنا عيسى عليه الصلاة وأزكى السلام ويقتل الدَّجال، لما جاء عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أَنَّ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: { إِنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ وَهُوَ أَعْوَرُ عَيْنِ الشِّمَالِ عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ وَإِنَّهُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى وَيَقُولُ لِلنَّاسِ أَنَا رَبُّكُمْ، فَمَنْ قَالَ أَنْتَ رَبِّي فَقَدْ فُتِنَ، وَمَنْ قَالَ رَبِّيَ اللَّهُ حَتَّى يَمُوتَ فَقَدْ عُصِمَ مِنْ فِتْنَتِهِ وَلَا فِتْنَةَ بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَلا عَذَابَ فَيَلْبَثُ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَجِيءُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلام مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ مُصَدِّقًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَعَلَى مِلَّتِهِ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ ثُمَّ إِنَّمَا هُوَ قِيَامُ السَّاعَةِ } (رواه الإمام أحمد في المسند) . وقد جاء في الأخبار أن من أهم أسباب خروج الدجال هو نسيان ذكره على المنابر وعدم تحذير الناس منه حتى إذا ذكر ينكرون خروجه من كثرة الجهل به ومن أهم الأدلة على ذلك حديث رَاشِد بْنِ سَعْدٍ قَالَ:" لَمَّا فُتِحَتْ إِصْطَخْرُ نَادَى مُنَادٍ أَلا إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، قَالَ: فَلَقِيَهُمْ الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ، قَالَ: فَقَالَ لَوْلا مَا تَقُولُونَ لأَخْبَرْتُكُمْ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ:{ لا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ وَحَتَّى تَتْرُكَ الْأَئِمَّةُ ذِكْرَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ } ،(رواه الإمام أحمد في المسند، وغيره). 7) نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام: فبنزوله عليه الصلاة والسلام يُكسر الصليب ويُقتل الخنزير وتُرفع الجزية، فلا خيار لأهل الكتاب وقتها إلا الإسلام أو السيف، ويقاتل الدَّجال ويقتله، فَيَعُمُّ الخير وينتشر العدل، ويسود الإسلام والأمان، ويُرفع الجهاد، ويبقى فينا عليه الصلاة والسلام 40 عامًا حتى ينتقل للرفيق الأعلى ، ويُدفن في المدينة قرب سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى:{ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} ،(سورة النساء 159)، وقال تعالى:{إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}،(سورة الزخرف 61) ،فصريح الآية ومفهوم الآية فيه رد على المكذبين الذين يكذبون بسيدنا عيسى عليه السلام ونزوله، والتنبيه في الآية فيه تحريض للمؤمنين الذين يؤمنون بسيدنا عيسى عليه السلام ونزوله على الثبات على ذلك الإيمان. أما الأحاديث الشريفة بنزوله عليه السلام فكثيرةٌ بلغت حدَّ التواتر المعنوي، منها على سبيل المثال ما رُوي عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: { وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ}،(رواه البخاري ومسلم وغيرهما) . 8)ريحٌ طيِّبةٌ تأخذُ المؤمنين: وهي ريحُ رحمةٍ وسلامٍ، تأخذُ أرواحَ المؤمنين وكلَّ مَنْ في قلبه حبةَ خَرْدَلٍ من إيمانٍ بِطِيبٍ ويُسْر، ولو كان في كَبِدِ الجَبَل، ويبقى شُّرَّارُ الناسِ وعليهم تقوم الساعة، فتضعُ كلُّ ذاتِ حمْلٍ حَمْلَها، وترى النّاسَ سُكارى من هَوْلِ وشدَّةِ الأحداث، ففي الحديث عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بن العاصي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ فَلا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلا قَبَضَتْهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ }، (رواه مسلم ) والله ورسوله أعلى وأعلم . اللهم ارحم مشايخنا ومن علّمنا وكلّ من له حقٌّ وفضل علينا ،، اللهمّ علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا يا مولانا علمًا وعملًا إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة حقيقٌ وجدير . وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين. يتبع قريبًا بإذن الله تعالى ----> علامات الساعة الكبرى التي لا يُقبل معها التوبة .
<b>العنوان: </b>28<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السَّمعيات وجوب الإيمان بعلامات الساعة الصغرى الدرس الثامن والعشرون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أمّا بعد ثالثًا - من الأمور الغيبيّة التي يجب الإيمان بها " قيام الساعة " : مما يجب على المكلف الإيمان به هو قيام الساعة و وجود علامات لها ،وقيام الساعة جزءٌ لا يتجزأ من اليوم الآخر، أما وقت قيامها فهو من ضمن الغيوب التي استأثر المولى سبحانه وتعالى بعلمها ولم يطّلع عليها لا رسول ولا نبي ولا ملك مُقرَّب، ولكن ببالغ رحمته تعالى جعل لها علامات ٌ وأشراطٌ دالةٌ على قُربِ وقوعها، قال تعالى : {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} ،سورة "محمد" الآية18 ، وقال تعالى:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}،سورة الأعراف، الآية 187، ومن السنّة الشريفة ما جاء في حديث سيدنا جبريل عليه السلام الطويل عندما سأل سيدنا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : "متى الساعة؟" ،فقال سيدنا ومولانا صلى الله عليه وآله وسلم: { مَا الْمَسْئُولُ بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ}،رواه البخاري . والإيمان بها واجبٌ على كل مؤمن، ومن لم يُؤمن بها فقد كفر ، ودليل الوجوب ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عندما سأل سيدنا جبريل عليه السلام حضرة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"ما الإيمان ؟ "قال: {أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ....،الحديث}. والإجماع منعقدٌ على وجوب الإيمان بالساعة وعلاماتها. وقد قسّم أسيادنا العلماء رحمهم الله تعالى وجزاهم عنّا خير الجزاء الساعة إلى صغرى وكبرى : 1)علامات صغرى : وهي التي تسبق القيامة بمدة طويلة، ومنها ما وقع وانقضى كبعثته صلى الله عليه وآله وسلم،و كذا ارتقائه إلى الرفيق الأعلى جلّ وعلا ، ومنها ما ظهر ولا يزال يظهر ويتزايد ، ومنها ما لم يقع إلى الآن ، ولكن ثبت سماعًا عن سيدنا ومولانا الصادق المصدوق بأنه سيقع ،صلى الله عليه وآله وسلم . 2)علامات كبرى : وهي علاماتٌ مَهِيْبةٌ عظيمةٌ ، وتقسم إلى قسمان : أ- علامات كبرى تُقبل معها التوّبة : مثل النار التي تخرج من قعر عدن تطرد الناس إلى أرض المحشر ، وظهور المهدي ويأجوج ومأجوج ، وخروج الدجّال ،ونزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام . ب - علامات كبرى لا تُقبل معها التوّبة : وهي طلوع الشمس من المغرب ، وخروج الدّابة كما سيأتي بيانه لاحقًا إن شاء الله تعالى. وقد جرت العادة بأنّ الاستغراب من الأمر يكون في أول ظهوره فقط ،فالعلامة عندما تظهر يستغرب منها الناس ،ثمّ تنتشر فيعتادوا عليها، ولْيُعلم بأنه لا يلزم من ظهور العلامة الثانية ذهاب الأولى، ولكن قد لا نشعر بها مع وجود ما هو أقوى منها وهكذا تتوالى العلامات من صغرى إلى كبرى حتى يتفاجأ الناس بالعلامات التي لا تُقبل معها التوّبة، ثم تقوم الساعة على شُرَّار الناس ،نسأل الله الحليم الغفور أن يرزقنا العفو والعافية ويختم لنا على كامل الإيمان، آمين . من أهم العلامات الصغرى :" مع عدم لزوم الترتيب فيما بينها " : 1)بعثة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتقال حضرته الشريفة إلى الرفيق الأعلى سبحانه وتعالى : فقد روى البخاري ومسلم في الصحيح أنَّ سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :{ ﺑُﻌِﺜْﺖُ ﺃَﻧَﺎ ﻭَﺍﻟﺴَّﺎﻋَﺔ ﻛَﻬَﺎﺗَﻴْﻦ }،وأشار بالسبابة والوسطى الشريفتين، وهذا إشارة إلى الساعة تأتي بعد بعثته صلى الله عليه وآله وسلم وهذا علمٌ بقربها وليس بوقتها ،أي أنّ كل آتٍ قريب . وعن سيدنا عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَـــــوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ...، الحديث " رواه البخاري . 2) فتح بيت المقدس : كما جاء في الحديث السابق عن سيدنا عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَـــــوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ...، الحديث " رواه البخاري . 3) عقوق الوالدين و كثرة اتخاذ الإماء والزواج بهنّ ،ويصبح أهل البوادي والفقراء ورعاة الغنم يرفعون البنيان ومن ذوي المناصب الرفيعة : وهو ما جاء في حديث سيدنا جبريل عليه السلام :{ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا قَالَ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ } رواه البخاري وعن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { يَا ابْنَ مَسْعُودٍ، إِنَّ مِنْ أَعْلامِ السَّاعَةِ وَأَشْرَاطِهَا أَنْ يَسُودَ كُلَّ قَبِيلَةٍ مُنَافِقُوهَا، وَكُلَّ سُوقٍ فُجَّارُهَا } رواه الطبراني في المعجم الأوسط والكبير. 4) ضياع الأمانة ،وكثرة الفتـــــــــن، وانتشار الجهل : *عن سيدنا أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ سيدنا ومولانا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ وَحَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لَا أَرَبَ لِي بِهِ وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ } رواه البخاري ومسلم وغيرهما. * وعَنْ سيدنا حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ } رواه الامام أحمد في مسنده، والترمذي في السنن وغيرهم، واللُكَعْ هو الأحمق ، أو الجاهل اللئيم . * و عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : { أَنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ , فُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ وقَطْعِ الأرحَامِ وَظُهورِ شَهَادَةَ الزُّورِ وكِتْمَانِ شَهَادَةَ الحَقِّ } رواه الحاكم في المستدرك . * وعن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :{إِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ فَيَأْتِي الْقَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنْ الْكَذِبِ فَيَتَفَرَّقُونَ فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ} رواه مسلم . * وعَنْ سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ سيدنا ومولانا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :{لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ التُّرْكَ قَوْمًا وُجُوهُهُمْ كَالْمَجَانِّ الْمُطْرَقَةِ يَلْبَسُونَ الشَّعَرَ وَيَمْشُونَ فِي الشَّعَرِ} رواه مسلم . 5) حبُّ الدنيا وكراهية الموت: عَنْ سيدنا ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ سيدنا ومولانا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : {يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا}، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ :{بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ}، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ ؟قَالَ:{ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ}رواه الإمام أحمد وأبو داود . هذا غيضٌ من فيض، لأن الأخبار في أشراط الساعة الصغرى كثيرة وكثيرة جدًا ،وما ذُكر سابقًا من العلامات غالبها تحقق في أزمنة مختلفة ومنها ما وقع وانتهى، ومنها ما وقع وما يزال يتكرر وقوعه ،ومنها ما لم يأتِ بعد، نسأل الله تعالى لنا الثبات حتى الممات، والموت على كامل الإيمان ،إنّه على ما يشاء قدير وبالإجابة حقيقٌ جديرٌ . والله ورسوله أعلى وأعلم . وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>27<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السَّمعيات وجوب الإيمان بأسيادنا الملائكة عليهم السلام الدرس السابع والعشرون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أمّا بعد ،،، ثانيًا - وجوب الإيمان بالملائكة عليهم السلام " : يجب على المكلف الإيمان بوجود أسيادنا الملائكة الكرام عليهم السلام ، فهم مخلوقات لطيفة مُكرّمة خُلِقت من نور ، وقد جُبِلوا على الطَّاعة ،لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون، قال تعالى:{عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} سورة التحريم ، من الآية 6 ، فهم لا يأكلون ،ولا يشربون ،ولا يتناكحون، ولا يتغوطون، ولا يتمخَّطون ،ولا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة ، ولكنهم يتشكلون بأشكال متعددة ولكنها لا تكون إلا حسنةً جميلة، وتنحصر في الكُمَّل من الذكور، وهو أمرٌ تعبُّديٍ لا دخل للعقل فيه ، وبناءً عليه لا انتقاص من مقام النِّساء كما يظن بعض الجاهلين لأنه وحيٌ من الله. الدليل من الكتاب : قوله تعالى :{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} سورة البقرة ،من الآية 285. والدليل من السنة : ما رواه سيدنا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه :قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و آله وسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و آله وسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آله وسَلَّمَ : " الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا " ، قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ،قَالَ :فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ ،قَالَ : "الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ....الحديث " ،قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ : "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ" .رواه مسلم في صحيحه. والإجماع منعقدٌ على وجود الملائكة عليهم السلام ،ومن أنكر وجودهم كذّب القرآن والسنّة والإجماع ونزع ربقة الإسلام من عنقه والعياذ بالله تعالى فهو كافرٌ مُرتدٌّ مُباحُ الدَّم ولكنه يُسْتتاب مثله في ذلك مثل المرتد . وكل ما ثبت لهم عليهم السلام على الإجمال ،يجب الإيمان به على الإجمال، وكل ما ثبت لهم عليهم السلام على التفصيل ،يجب الإيمان به على التفصيل ، كالذين ذُكروا في القرآن الكريم ، ومنهم سيدنا جبريل أمين الوحي وهو أفضلهم على الإطلاق، وسيدنا ميكائيل ،وسيدنا إسرافيل نافخ البوق نفخة البعث ونفخة الفناء ،وسيدنا مَلَكُ الموت المـُوَكَّلُ بقبض الأرواح ،والحَفَظَة وهم المـُوَكَّلون بحفظ العباد ،لقوله تعالى : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ، سورة الرعد من الآية 11، والكَتَبَة وهم الموكلون بكتابة أعمال العباد في الصحف ،لقوله تعالى : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ، سورة( ق) ،الآية 18، وسيدنا مالك خازن النار ،وسيدنا رضوان خازن الجنّة ،وحَمَلَةِ العرش العظيم ،قال تعالى : {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، سورة الحاقة ،الآية 17، ومنهم أسيادنا زبانية جهنّم والعياذ بالله ،قال تعالى : {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} ، سورة المدثر الآية 30، ومنهم أسيادنا مُنكر ونَكير، وهاروت وماروت ،والمكلَّفين بالأرزاق ،والمكلَّفين بالأرحام ،عليهم جميعًا الصلاة والسلام . (( تنبيهات مهمة )) : 1)يكفر من وصف أسيادنا الملائكة عليهم السلام بالأنوثة، وذلك لمخالفته لصريح القرآن ،قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} ،سورة النَّجم الآية 27 ، وقال تعالى :{ وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}سورة الزخرف ، الآية 19. 2) لا يجوز أن نقول "إبليس طاووس الملائكة" ، فالملائكة الكرام لا يعصون الله تعالى ،وإبليس لعنه الله تعالى هو كافرٌ مُخَلَّدٌ في النّار والعياذ بالله تعالى . 3) لا يجوز أن نستهزئ بمَلَكِ الموت عليه السلام فهو مأمورٌ بقبض الأرواح عليه السلام ،ولا بسيدنا خازن النار فهو مأمورٌ بتعذيب العصاة والكفار ، فمن استهزأ بأسيادنا الملائكة بأي وجهٍ من الوجوه كفر لقوله تعالى : {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِين} ، سورة البقرة ،الآية 98، كذا لا يجوز الاستهزاء و التقليل من أهوال النار والعذاب كمن يقول "نتدفأ في نار جهنّم" ! هذا كله كفرٌ وَرِدَّةٌ ومُرُوقٌ من الدين، يستتاب قائله ثلاثة أيامٍ بأكلٍ وشربٍ، فإن تاب وإلا قتل حدًّا بالسيف ،ولا يَرِثُ ولا يُوُرَثُ ولا يُغَسَّل غُسْلًا شرعيًا، وكذلك لا يُكَفَّن ولا يُصَّلى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين. والله و رسوله أعلى وأعلم. وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>26<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السَّمعيــات وجوب الإيمان بوجود "الجـِــنّ" الدرس السادس والعشرون الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبيين الطاهرين,ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب, ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، أمّا بعد،،، من الأمور الغيبيّة التي يجب الإيمان بها: أولًا " الجِــــــــنّ": وهي مخلوقاتٌ لطيفةٌ ليس لها جِرْم، تُشَمُّ ولا تُحك ،ليس لها أجرام نعهدها ولا أشكالٌ نراها، وقد خُلقت من نار، قال المولى سبحانه وتعالى: { وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ } ،سورة الحِجْر، الآية 27 وقال تعالى: { وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} ،سورة الرحمن: 15، يسكنون الجبال والأودية والخِرَبْ "الأماكن المهجورة" ،والبحار والمحيطات. والجنُّ مكلفون من حين الخِلْقَة ،وُلِدُوا عُقَلاء مكلفين، من حيث المقدرة على فهم الخطاب ورد الخطاب، ودليل ذلك عدم وجود دليل على بلوغهم، فكما قال أسيادنا العلماء رحمهم الله تعالى "عدم وجود العلامة له علامة". وسُمِّيَ الجنُّ جِنًّا لاجتنانهم واستتارهم عن العيون ،ومنه سُمِّي الجنين جنينًا ،فهم يرونا ولا نراهم على خلقتهم الحقيقة، بل فقط إذا تشكَّلوا بالإنس والحيوانات وغيرهم، فقد أعطاهم المولى تعالى قدرة على التشكل بأشكالٍ حسنةٍ وقبيحةٍ ، قال تعالى : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} ،سورة الأعراف الآية 27 . وكما أنّ سيدنا آدم عليه الصلاة وأزكى السلام هو أبو البشر ،فإبليس لعنه الله تعالى هو أبو الجِنّ، قال الله سبحانه وتعالى :{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } ،سورة الكهف، من الآية 50 ،فهو أول من كفر بالله تعالى، وقد أمره المولى تعالى أن يسجد لسيدنا آدم عليه الصلاة والسلام فأبى لعنه الله تعالى. والجنّ لا نبي لهم ولا رسول ،وإنّما رُسُلُ البشرِ هُمْ رُسُلُ الجنّ، وأنبياءُ البشرِ هُمْ أنبياءُ الجنّ، على أسيادنا الرسل والانبياء أفضل الصلاة وازكى السلام ، ودليل ذلك قوله تعالى: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}، سورة الجنّ، الآية 1،2 والدليل من السنّة الشريفة على وجود الجنّ: عن سيدنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آله و سَلَّمَ بِمَكَّةَ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ قَالَ لِيَقُمْ مَعِي رَجُلٌ مِنْكُمْ وَلَا يَقُومَنَّ مَعِي رَجُلٌ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْغِشِّ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ قَالَ فَقُمْتُ مَعَهُ وَأَخَذْتُ إِدَاوَةً وَلَا أَحْسَبُهَا إِلَّا مَاءً فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّةَ رَأَيْتُ أَسْوِدَةً مُجْتَمِعَةً قَالَ فَخَطَّ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم خَطًّا ثُمَّ قَالَ قُمْ هَاهُنَا حَتَّى آتِيَكَ قَالَ فَقُمْتُ وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِلَيْهِمْ فَرَأَيْتُهُمْ يَتَثَوَّرُونَ إِلَيْهِ قَالَ فَسَمَرَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَيْلًا طَوِيلًا حَتَّى جَاءَنِي مَعَ الْفَجْرِ فَقَالَ لِي مَا زِلْتَ قَائِمًا يَا ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَقُلْ لِي قُمْ حَتَّى آتِيَكَ قَالَ ثُمَّ قَالَ لِي هَلْ مَعَكَ مِنْ وَضُوءٍ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَفَتَحْتُ الْإِدَاوَةَ فَإِذَا هُوَ نَبِيذٌ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ الْإِدَاوَةَ وَلَا أَحْسَبُهَا إِلَّا مَاءً فَإِذَا هُوَ نَبِيذٌ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ قَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ مِنْهَا فَلَمَّا قَامَ يُصَلِّي أَدْرَكَهُ شَخْصَانِ مِنْهُمْ قَالَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَؤُمَّنَا فِي صَلَاتِنَا قَالَ فَصَفَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم خَلْفَهُ ثُمَّ صَلَّى بِنَا فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ لَهُ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَؤُلَاءِ جِنُّ نَصِيبِينَ جَاءُوا يَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ فِي أُمُورٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَقَدْ سَأَلُونِي الزَّادَ فَزَوَّدْتُهُمْ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ وَهَلْ عِنْدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ تُزَوِّدُهُمْ إِيَّاهُ قَالَ فَقَالَ قَدْ زَوَّدْتُهُمْ الرَّجْعَةَ وَمَا وَجَدُوا مِنْ رَوْثٍ وَجَدُوهُ شَعِيرًا وَمَا وَجَدُوهُ مِنْ عَظْمٍ وَجَدُوهُ كَاسِيًا قَالَ وَعِنْدَ ذَلِكَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ أَنْ يُسْتَطَابَ بِالرَّوْثِ وَالْعَظْمِ)) رواه الإمام أحمد في(المسند). وقد روى البخاري في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي حَتَّى وَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ قَالَ هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ وَنِعْمَ الْجِنُّ فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا. والإجماعُ منعقدٌ على وجود الجنِّ وأنَّ منهم مؤمن وكافر ، من أنكر وجودهم فقد كذَّب القرآن والسنّة والإجماع ،ونَزَعَ رَبَقَةَ الإسلام من عُنُقِهِ ،وتتعلق به أحكام المرتدين . والله و رسوله أعلى وأعلم وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين
<b>العنوان: </b>25<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث السَّمعيــات المُقدِّمـــه الدرس الخامس والعشرون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أمّا بعد ،،، من المعروف أن غالب مسائل علم التوحيد تنحصر في ثلاثة أبواب ؛ أنهينا بفضل الله تعالى وكرمه عليناباب الإلهيات،وهو كل ما يجب على المكلف معرفته في حقّ المولى سبحانه وتعالى من حيث ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حقه الكريم، و باب الرُّسليات وهو كل ما يجب علينا معرفته في حقِّ أسيادنا الرُّسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام من حيث ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حقهم الكريم ، و باب السَّمعيات وهو كل ما ثبت من ناحية السَّماع ، ولا دخل للعقل فيه، وهو بابنا هــذا ... فالسَّمعيات لغةً : كلمة منسوبة إلى السَّمْعِ من سَمِعَ يَسْمَعُ سَمْعًا، قال الخليل بن أحمد في معجم العين: "السَّمْعُ: الأُذُن"، وقال ابن منظور في لسان العرب: "السَّمْعُ: حِسَّ الأُذُن" اهـــ . أمّا اصطلاحًا :أي ما ثبت سماعًا، ودلَّ عليه النقل فقط من فم سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهو مما لا مجال لإعمال العقل فيه، فلا يستطيع أن يتوصل إليها العقل بل طريق العِلْمِ فيها السَّمْع الوارد من الكتاب العزيز والسنَّة المشرّفة ،كالعلم بأسيادنا الملائكة الاطهار عليهم السلام، والجنّ ،ونعيم القبر وعذابه، والبرزخ، والبعث، والنَّشر والجنَّة والنار كما سيأتي بيانه وتفصيله بإذن الله تعالى . فنحنّ نؤمن أنّ كل ما جاء به سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكل ما أخبر به عن المولى سبحانه وتعالى ،قرآنًا وسنّةً هو حقٌّ، فما جاء به الرّسولُ حقّهُ التَّسليم والقَبولُ ،سواء شاهدناه بحواسنا أو غاب عنّا،وسواء أدركناه بعقولنا أم لم ندركه نؤمن به وجوبًا بعد ثبوته عن طريق الخبر المتواتر أو المشهور. والسمعيات تتعلق بالغيب،وهي تسمية أسيادنا العلماء رحمهم الله تعالى ،وأُخذت هذه التسمية من معنى الباب ومضمونه فهو من قبيل السَّمع والإخبار ،وإنَّ أصل العقائد لا بد أن تكون من الأدلة اليقينية المكتسبة من الكتاب والسنّة قطعيّة الدلالة قطعية الثبوت ،وإِنَّ للتَّوحِيدِ أُصُولًا فما ثبت فيه تفصيلًا نؤمنُ بِهِ على التَّفصيلِ ومَا ثَبَتَ إجْمَالًا نؤمنُ بِهِ على الإجْمَالِ، ومَنْ خَالَفَ هذه الأصول ضَلَّ وَقَدْ يَدْخُلُ أبْوابَ الكُفْرِ والعِياذُ بِاللهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ وخطرِ مُخَالَفَتِهِ ، لَكِنَّ مَا يَتَفَرَّعُ عَنْ ذَلِكَ الأصْلِ وَيَحْتَمِلُ، فَهَذَا لَا مَجَالَ فيهِ أَبَدًا إِلَى تَضْلِيلٍ أَوْ تَفْسِيقٍ أَوْ تَبْدِيعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أوْ عَدَمُ ذَلِكَ، لَيْسَ إِلَّا، فَإِنَّ الإيمَانَ بِالجنَّةِ والنَّارِ وَوُجُودِهِمَا الآنَ أَصْلٌ، من أنْكَرَهُ كَفَر والعياذ بالله تعالى ، أَمَّا مَا يَدُورُ فِي الجنَّةِ أوِ النَّارِ فَهُوَ فَرْعٌ عَنْ ذَلِكَ الأَصْلِ، والْمَدَارُ فِي قَبُولِهِ وإِثْبَاتِهِ عَلَى ثُبُوتِ دَلِيلِهِ، ولا مجال فيه للتَّضليل أو التَّفسيق فإن ثَبَتَ الدَّليلُ قَالَ العُلَمَاءُ بِهِ وَأَثْبَتُوه، وَإلَّا تَوَقَّفُوا رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى. والله تعالى و رسوله أعلى وأعلم وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>24<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث الرُّسليات الدرس الرابع والعشرون ثالثــًــا: ما يجـــوز في حقّ أسيادنا الرُّسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أمّا بعد ،،، يجوز في حقِّ أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كل ما هو من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى النقص في مراتبهم العلية، بأن لا يكون منهيًّا عنه، ولا مُباحًا مُزرِيًا، ولا مرضًا مُنفِّرًا تعافه الأنفس. اعلم أنه يجب على كل مكلف أن يعتقد أنهم عليهم الصلاة والسلام يتعرضون لما يتعرض له غيرهم من البشر من الأكل والشرب، والبيع والشراء، ودخول الأسواق، والزواج والطلاق، والموت والحياة، واللذة والألم، والصحة والمرض، والنوم لكن بأعينهم فقط دون قلوبهم، وخروج المني لكن بامتلاء الأوعية دون الاحتلام؛ لأنه من تلاعب الشيطان، ولا يجوز للشيطان أن يتسلط عليهم. وإن ما يقع عليهم من الأعراض البشرية لا يكون منهيًّا عنه لوجوب أمانتهم عليهم الصلاة والسلام كما مرّ معنا سابقًا ، وكذا لا يكون مباحًا مُزريًا أي مُحتقَرًا كسؤال الصدقة وقَبولها، وكذا الأكل في الأسواق وما شابه مما تأباهُ الأنفس الأبية ، فإن هذه الأمور وإن كانت مباحة في أصلها، إلا أنها لا تليق بعظيم كمالهم وتشريفهم، فكما أخرج البخاري في الصحيح ، (باب من تكلم بالفارسية والرَّطَانة)، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أن سيدنا الحسن بن الإمام عليٍّ عليهما الصلاة والسلام أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه - أي فمه الشريف-، فقال له سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفارسية: { كِخْ كِخْ أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ } ،وهذا الكلام محمولٌ على زمنه صلى الله عليه وآله وسلم . وإنَّ ما ينزل بهم عليهم الصلاة وأزكى السلام من البلاء والمرض لا يُعرِّضُهم لنفور الناس منهم، بل العكس، يزيد من رفعتهم وعلوِّ قدرهم في قلوب من سواهم، أمَّا الأعراض التي فيها نقصٌ كالجُذام والبَرَص، والصَّمَم والعَمَى، والبَكَم والشَّلل، والعَرَج والعَوَر و الحسد والبغض والخوف والتي تتنافى مع أصل النبوة في حقِّ الأنبياء وأصل كمال الخلقة في حقّ غير الأنبياء ، فمستحيلة عليهم بلا نزاع ، فما قيل بأنَّ سيدنا شعيبًا عليه الصلاة والسلام كان ضريرًا، لا أصل له ، إذ أنَّ العمى صفةُ نقصٍ في حقِّ الكُمَّل من البشر فما بالكم بخيرة الله تعالى من خلقه وهم أنبياؤه عليهم الصلاة والسلام ! وكذلك ما قيل في حقِّ سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام من أنه أصيب بالعمى، باطلٌ مستحيل، وإنما حصلت له غشاوة من كثرة البكاء وزالت، وكذلك ما قيل من أنَّ الدود خرج من جسد سيدنا أيوب عليه الصلاة والسلام عند مرضه فهو أكذوبةٌ من الإسرائيليات، وتبعهم بعض العلماء من المفسرين وغيرهم، والحاصل أنّ اليهود فرّطوا حتى استنقصوا أسيادنا الأنبياء ووصفوهم بأمور مُنْقِصة ، والنَّصارى أفرطوا في التَّعظيم حتى وصفوا سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام بصفات الألوهية ، أما أهل الحقِّ من المسلمون لم يُفرِّطوا فكانوا بين ذلك قوامًا . وليُعلم بأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يخاف خوف الجبن ، إنما يخاف خوف الوَجَل، وخوف التقصير في حقّ خالقه ، وخوف الشفقة على من يُحب ، كما مرَّ معنا سابقًا ، أما الخوف خوف جبن من عدو أو من بطش ظالمٍ وباغٍ ، فإنَّ هذا الأمر يترفَّع عنه بعض السادة الأولياء، فكيف بمقام النبوة الكريم صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين ! ثم اعلم أنَّ ما جاز عليهم من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتبهم العلية، إنما هو بحسب ظواهرهم فقط، أما بواطنهم فهي متعلقة بحب ربِّ البرية سبحانه وتعالى، لا يُخلُّ مرضٌ ونحوه بشيءٍ منها ، ولا يحصل منهم ضجر ولا شكوى ولا تَأوُّه، بل لا يزيدهم ذلك إلا قُرْبًا وحبًّا . وإن التنبيه إلى هذا الأمر مهم جدًّا، فإن لذة المباح وشدة البلاء قد تشغل العامة من المؤمنين عن النية الصالحة ، بل وعن عين الطاعة في الكثير من الأحيان، لكن خصوص المؤمنين الذين وَفَّقَهُمُ الله تعالى لطاعته وحمده وشكره، عند غفلة الكلِّ ينتبهون، فلا يقع منهم الفعل إلا مصحوبًا بجميل النية فتنقلب إلى طاعة ، ولا تشغلهم لذة مباح أو شدة بلاء عن مداومة ذكر الله تعالى في كل حال، وإذا كان هذا حال من تبع أسيادنا الرُّسلَ والأنبياء، فكيف يكون حالهم الشريف عليهم الصلاة وأزكى السلام ! هذا وإن ما ينزل بهم عليهم الصلاة وأزكى السلام من الأعراض لا يخلو من فوائدَ وحكم: - كتعظيم أجورهم عليهم الصلاة وأزكى السلام، ورفع قَدْرهم ومكانتهم عند المولى سبحانه وتعالى. - وتسلية قلوبهم الشريفة عن هذه الدنيا، أي التَّصبُّر على ما فيها، فيجدون الراحة عند شدة البلاء، ويأنسون بلذة أنسٍ لا يعرفه إلا السادة الأنبياء، عليهم الصلاة وأزكى السلام. - ثم تنبيه قلوب المؤمنين إلى خِسَّة قَدْرها (الدنيا) عند الله تعالى، وعدم رضاه تعالى بها دار جزاء لأوليائه باعتبار أحوالهم فيها عليهم الصلاة وأزكى السلام. - والتَّسلي بأحوالهم الشريفة إذا نزل بنا بعض ما نزل بهم، إذ هم خيرُ أسوة وخير قُدوة. - والتَّشريع، فبفعله الشريف صلى الله عليه وآله وسلم شرع لنا كثيرًا من الأحكام الشريفة، كأحكام السهو في الصلاة، وأحكام صلاة الخوف، والمرض، وغيرها. الأدلة النقلية: •قال المولى تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ } ، (الفرقان: من الآية 20)، وقال سبحانه: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً }(الرعد: من الآية 38)، وقال سبحانه:{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } ، (آل عمران: من الآية 144). •وقد صحَّ أن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكل وشرب ونام وتزوَّج وطلَّق وباع واشترى، وكذا غيره من أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام، وقال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمَا والله إني لأخشاكم لله وأتقاكُم له، لكنِّي أصوم وأفطر، وأصلِّي وأرقُد، وأتزوَّج النساء، فمن رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي . •وقد أجمعت الأمة على جواز الأعراض البشرية دون المُنفّرة على أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: يَجُوزُ فِي حَقِّهِمُ كُلُّ عَرَضْ // لَيْسَ مُؤَدِّيًا لِنَقْصٍ كَالْمَرَضْ والدليل العقلي على جواز الأعراض التي لا تؤدي إلى النقص على أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام هو مشاهدة وقوعها بهم لأهل زمانهم، فقد شوهد مرضهم وجوعهم و أذيَّة الخلق لهم عليهم الصلاة وأزكى السلام، وقد نُقل ذلك بالتواتر لمن بعدهم، فكأنهم يشاهدونها عيانًا. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: جَوَازُ الأَعْرَاضِ عَلَيْهم حُجَّتُهْ // وُقُوعُهَا بهِم تَسَلٍّ حِكْمَتُهْ خاتمــــة: إن كل ما سبق من المعاني، والتنبيهات، هو لأجل تحقيق معنى الأصل الذي وجب لهم عليهم الصلاة وأزكى السلام، وهو وجوب كلِّ كمال خَلقي في الصورة والمعنى، وإن هذا هو المقصود والمراد، فمهما بلغت عبارتنا في حقهم عليهم الصلاة وأزكى السلام من الجزالة والفصاحة، فإنها عن جليل رتبتهم الشريفة قاصرة، وعن كمال مقامهم جزمًا ناقصة، فلقد مدحهم الخالق سبحانه وتعالى بقوله : وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ سورة (القلم ،الآية 4)، فلنتنبه جيِّدًا لهذا المقام الكريم، فقد قال تعالى: لِتُؤمِنُوا باللهِ ورَسُولِهِ، وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ، سورة الفتح ،الآية 9)، وإنَّ فَهمَنا لآيات القرآن الكريم، وأحاديث السنة النبوية المطهرة، لابدَّ وأن يكون مُنضبطًا بهذا الأصل ، فأيُّ وَهْمٍ ناقص، أو فَهْمٍ قاصرٍ لبعض الآيات والأحاديث، لابدَّ وأن يُردَّ، لمخالفته الأصل الكريم في حقهم عليهم الصلاة وأزكى السلام . والله ورسوله أعلى و أعلم اللهمّ ارحم مشايخنا ومن علّمنا وكلّ من له فضلٌّ وحقٌّ علينا ،، اللهمّ ارحم والدينا كما ربونا صغارًا واجزهم عنا خير الجزاء يا كريم . وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا رسول الله وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>23<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث الرُّسليات الدرس الثالث والعشرون ثانيًـــا : ما يستحيل في حقّ أسيادنا الرُّسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أمّا بعد ،،، فممَّا يجب أن يُعلم بأنّه يستحيل في حقِّ أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام كلُّ صفة نقصٍ تقدح في مقاماتهم العليَّة، وإنَّ كلَّ معاني النقص مندرجة تحت أضداد الصفات الواجبة لهم عليهم الصلاة وأزكى السلام. فيستحيل عليهم الكذب: ومعناه: مخالفةُ الخبر لِمَا في نَفْس الأمر( الواقع) ، وهو مستحيل كما مرَّ معنا سابقًا في وجوب صدقهم عليهم الصلاة والسلام . ولقول المولى سبحانه وتعالى: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَينَا بَعْضَ الأقاويلِ، لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِين }،(الحاقة 44- 47). وتستحيل عليهم الخيانة: بِفِعْلِ مُحَرَّمٍ أو مَكْرُوهٍ حسِّيٍ أو معنوي ، إذ أنَّ أفعالهم في الظاهر والباطن تنحصر في الواجب والمندوب لا غير، ولا يقع منهم المباح كما يقع من غيرهم، فلا يقع إلا مُصاحِبًا لنيّة حسنة تصرفُه عن الإباحة إلى كونه مطلوبًا - أي واجبًا أو مندوبًا-، وإذا كان بعض تابعيهم من السَّادة الأولياء عليهم السلام لا تخلو أفعالهم عن الواجب والمندوب، ولا تقع منهم المباحات إلا بالنيَّة الصالحة التي تصرف ذلك المباح من العادة إلى العبادة، كالأكل للتقوِّي على الطاعة وإقامة البُنية، والجماع لِصَوْنِ النفس عن الحرام وللنَّسْلِ المطلوب، وغير ذلك، فكيف بأسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام وهم الأكمل ! وأما إذا قصدوا المكروه وفعلوه فلا يكون إلا لمقصد التَّشريع والتَّعليم لما مرَّ من وجوب أمانتهم عليهم الصلاة وأزكى السلام. ويستحيل عليهم الكتمان: أي كتمان شيء مِمَّا أُمروا بتبليغه، إذ كيف يقع منهم، وهو ملعونٌ صاحبه، كما مرَّ تفصيله في وجوب التبليغ لحضراتهم عليهم الصلاة والسلام .يقول المولى سبحانه وتعالى: {إنَّ الَّذِينَ يكتُمُونَ مَا أنزلْنَا مِنَ البيِّنَاتِ والهدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ للنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ ويلعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }، (البقرة الآية 159)، وأمَّا مالم يُؤمروا بتبليغه، فبعضُه يُخيَّرون فيه ، وبعضُه يجبُ كتمانُه وهو ما أُمروا بكتمانه، وقد أُذن لهم عليهم الصلاة وأزكى السلام في إيصال بعض العلوم لبعض الخصوص دون العموم، كبعض ما خَصَّ به سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السَّادة آل البيت الأطهار، السَّيدة فاطمة، والإمام عليًّا، وابنيْهما عليهم جميعًا السلام، أو ما خصَّ به صلى الله عليه وآله وسلم الخلفاء المرضيِّين، وغير ذلك، ومثال ذلك: - ما أخرجه البخاري في (الصحيح) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلمَ وِعَاءَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ". - وما أخرجه مسلم في (الصحيح) عن سيدنا عمَّار رضي الله تعالى عنه قال: "مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَلَكِنْ حُذَيْفَةُ أخبرني عَنِ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: { في أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِيَاطِ ... الحديث }. وأما السهو والنسيان فيجوز في الأفعال لأجل التشريع كالسَّلام من ركعتين، وفي الأقوال يجوز بعد التبليغ ، ولا يكون السَّهو في حقِّهم عليهم الصلاة وأزكى السلام إلا لحكمة التشريع، كما لم يكن سهوهم عليهم الصلاة وأزكى السلام ناشئًا عن اشتغالهم بغير ربهم سبحانه وتعالى كما تمّ بيانه سابقًا. وتستحيل عليهم بِلادة الذهن: وهي ضد الفَطانة، ومعناها البلاهة والغباء، وذلك لما مرَّ من وجوب كمالهم، وتنزُّههم عن كل نقص يُخِلُّ بمكانتهم و رُتبتهم العليّة ، عليهم جميعًا الصلاة وأزكى السلام . والله و رسوله أعلـــى وأعلـــم اللهمّ ارحم مشايخنا ومن علّمنا وكل من له فضلٌّ وحقٌّ علينا ،، اللهمّ وارحم والدينا كما ربونا صغارًا وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا رسول الله وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين.
<b>العنوان: </b>22<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b> بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث الرُّسليات الدرس الثاني والعشرون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أمّا بعد ،،، الصفة الرابعة التي يجب على المكلف معرفتها في حقّ أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام " الفَـطانة " : الفَــطانة بفتح الفاء، كمالُ العقل و حِدَّةُ الذكاء في حقهم عليهم الصلاة والسلام، فهم أقدر الناس بما أعطاهم المولى تعالى على إلزام خصومهم وإبطال دعاويهم الفاسدة ، فلو وُزن ذكاء نبي كريم في كفة، ووُزن ذكاء أهل زمانه مجتمعين في كفة، لرجحهم ذكاؤه عليه الصلاة وأزكى السلام وهم في فطانتهم - كما بقية صفاتهم يفوتون أهل زمانهم مجتمعين وهم فيما بينهم متفاضلين وتفضيلهم من الله لا دخل للعقل فيه. قال المولى سبحانه وتعالى: { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَومِهِ }(الأنعام من الآية 83)، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًّا. وقال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { أنَا أعلَمُكُمْ بالله } ،(رواه البخاري وغيره)، ولا يكون صلى الله عليه وآله وسلم الأعلم إلا أن يكون الأكمل عقلاً وفهمًا، وما وجب له صلى الله عليه وآله وسلم، وجب لإخوته من السادة الأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام فلا تفريق بينهم في كل ما يجب وما يجوز وما يستحيل عليهم ،إنمّا التفريق يكون فيما فضَّل الله تعالى به بعضهم على بعض وهو تفضيل شرعيّ . وقد أجمعت الأمة على وجوب الفَطانة لأسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام، قال سيدي العَلامة أبو الفضل أحمد بن منصور قرطام الحسيني المالكيّ الفلسطينيّ حفظه الله تعالى ورعاه : ثُمَّ الْفَطَانَةُ لَهُمْ حَقُّ // فَمَيِّزِ الْكَذبَ مِنَ الصِّدْقُ الدليل العقلي: - لقد أرسل المولى سبحانه وتعالى أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام لإقامة الحجج وإبطال شُبه المجادلين، وذلك لا يكون من مغفل أو أبله. - كما أننا مأمورون بالاقتداء بهم عليهم الصلاة وأزكى السلام في الأقوال والأفعال، والمـُقتدى به لا يكون بليدًا. - ثم إنه قد وجب لهم يقينًا كل كمال خلقي في الصورة والمعنى بقوله تعالى:{ وكلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العَالَمِين }،(الأنعام من الآية 86)، وإنَّ ضعف الفَطانة والذكاء نقص في حقِّ من هو دُونَهم، فكيف بهم، وهم أكمل وأطهر الخَلق، المنزَّهُون عن كل نقص يخل برتبتهم العليَّة، ثم لو جاز أن يفوتهم أحد في أي صفة من صفاتهم، لأدى ذلك إلى تكذيب كتاب الله تعالى الذي جاء مؤيدًا لهم في كل ما يتعلق بهم وهذا مستحيل، وما أدَّى إلى المستحيل مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب أنهم أكمل الخلق صورة ومعنى، في صدقهم وأمانتهم وتبليغهم وفَطانتهم، عليهم الصلاة وأزكى السلام. والله ورسوله أعلـــى وأعلـــم وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا رسول الله وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>21<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث الرُّسليات الدرس الواحد والعشرون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أمّا بعد ،،، الصفة الثالثة التي يجب على المكلف معرفتها في حقّ أسيادنا عليهم الصلاة وأزكى السلام " التَّبليـــغ " : وهي تعليم أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام الناس كل ما أمروا بتبليغه، لا ينكرون منه شيئًا، لا نسيانًا ولا عمدًا ليرشدوهم إلى السعادة في الدنيا والآخرة ، أمَّا ما لم يؤمروا بتبليغه فهم إما مخيرون فيه، أو مأمورون بعدم تبليغه. ويجوز على أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام النِّسيان في الأفعال دون الأقوال ولكن بعد التَّبليغ، ونسيانهم عليهم الصلاة وأزكى السلام ليس كما ننسى نحن ، فلا يكون سهوهم في أفعالهم إلا لحكمة التشريع، أمّا نحن ننسى لانشغالنا بالدُّنيا وأحوالها، ويكون منشؤ ذلك النسيان والغفلة وحبِّ الدنيا وكيد الشيطان، أمّا حضراتهم فسهوهم لا يكون ناشئ عن اشتغالهم بغير ربهم سبحانه وتعالى، وفي هذا أنشد "شارح المشارق " سيدي الإمام أبي اسحاق ابراهيم بن يوسف بن ابراهيم المعروف بابن قرقول : يَا سَائِلِي عَنْ رَسُولِ اللهِ كيْفَ سَهَا // والسَّهْوُ مِنْ كُلِّ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهِي قَدْ غَابَ عَنْ كُلِّ شَيءٍ سِرُّهُ فَسَهَا// عَمَّا سِوَى اللهِ، فَالتَّعظيمُ للهِ قال تعالى: {وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلا إذَا تَمَنَّى ... الآية}،(سورة الحج من الآية 52). وفي الحديث عن سيدنا جابر رضي الله عنه أنّ سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه آله وسلّم قال : { أُعطِيتُ خَمسًا لَم يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنبيَاءِ قَبلِي ...}، إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم:{وَكَانَ النَّبيُّ يُبْعَثُ إلى قَومِهِ خاصَّة، وَبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّة ... الحديث }،(رواه البخاري) . وقد أجمعت الأمة على أنَّ أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام مأمورون بالتبليغ. يقول سيدي ومولاي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى : يِجبُ للرُّسْلِ الكِرَامِ الصِّدْقُ // أمَانَةٌ تبلِيغُهُمْ يَحِقُّ البرهان العقلي: لو جاز عدم تبليغهم عليهم الصلاة والسلام شيئًا مما أُمِروا بتبليغه من الشرائع لكانوا كاتمين لها، والكتمان مُحَرَّمٌ ملعونٌ فاعله في كل الشرائع، وفِعْلُهُم عليهم الصلاة وأزكى السلام للمُحرَّمات مستحيل، لِمَا علمنا من وجوب أمانتهم عليهم الصلاة وأزكى السلام ، فما أدى إلى المستحيل مستحيل، فلَزِم العكس، وثبت المطلوب، وهو وجوب صفة التبليغ لأسيادنا الرُّسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: مُحَـــالٌ الكَـذِبُ والمــَنْهِيُّ // كَعَدَمِ التَّبْليغ يا ذَكِــــــيُّ (( فائدة لا يُستغنى عنها )) : مما يجب أن يُعلم أنَّ كلاًّ من الرَّسول والنبي عليهما الصلاة وأزكى السلام مأمورٌ بالتبليغ، وقد ظهر ذلك في بيان صفة التبليغ وأدلتها النقلية والعقلية، وقد خالف في هذا الأمر بعض العلماء الأفاضل فقالوا: "إن النبي لم يؤمر بالتبليغ"، وهم كثرة، لكن ما قالوه، أو نقلوه - على جلالَة قَدرهم- غير مُعتبَر؛ لأنه يخالف صريح الكتاب والسنة والعقل السليم، كما إنَّ أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام مأمورون بتبليغ كل ما أمروا بتبليغه، لا ينكرون منه شيئًا، لا نسيانًا ولا عمدًا، أمَّا ما لم يؤمروا بتبليغه فهم إما مخيرون فيه، أو مأمورون بعدم تبليغه. قال المولى تعالى:{وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلا إذَا تَمَنَّى ... الآية }(سورة الحج من الآية 52).فالآية الكريمة صريحة في إرسال الرَّسول والنبي عليهما الصلاة وأزكى السلام حقًّا، ثمَّ ما العبرة من الإرسال إن كان حال النَّبي عليه الصلاة وأزكى السلام مخفيًّا، وكان غير مأمور بالتبليغ ؟!. -وإنّ في تعرض الأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام للاستهزاء والأذية والقتل، أكبر دليل على تبليغهم؛ لأن ذلك القتل وتلك الأذية لا تكون في حقِّ مُستَتر لا يُعرف حاله بين الناس، يقول المولى تعالى:{وَمَا يَأتيهِمْ مِنْ نَبيٍّ إلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ}،(الزخرف الآية 7)، وهناك آيات كثيرة في هذا لمعنى . -ثمّ إنَّ الله تعالى قد أخذ العهد والميثاق على العلماء بالتبليغ وعدم الكتمان قرآنًا وسنة، وفي ذلك أكبر دليل على تبليغهم عليهم الصلاة وأزكى السلام، فقد ذمَّ المولى تعالى الكاتمين وتوعَّدهم بأليم العذاب فقال سبحانه:{ إنَّ الذِينَ يكْتُمُونَ مَا أنزلْنَا مِنَ البيِّنَاتِ والهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ للنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ ويلعَنُهُمُ اللاعِنُونَ }،(البقرة الآية 159)، والأدلة من القرآن والسُّنة في هذا كثيرة جدًّا ، فإذا كان هذا حالُ الأدنى، حالُ من ورث السادة الأنبياء من العلماء، فكيف بحضراتهم وهم الأعلى مقامًا ورتبة على من سواهم، وهذا استدلال بما هو أدنى على ما هو أعلى وهذا دليل على أنّ الأنبياء مأمورين بتبليغ كلّ ما أمروا بتبليغه . -وفي الحديث عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه آله وسلم: { أُعطِيتُ خَمسًا لَم يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنبيَاءِ قَبلِي ... }، إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم: {وَكَانَ النَّبيُّ يُبْعَثُ إلى قَومِهِ خاصَّة، وَبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّة }،(رواه البخاري) . وكيفَ يكونُ النَّبي مبعوثًا إلى الناس وهو مستورٌ عنهم غيرُ مُبلِّغ لهم ! -و قد قرَّر سيدي ومولاي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى ذلك في قوله: يِجبُ للرُّسْلِ الكِرَامِ الصِّدْقُ // أمَانَةٌ تبلِيغُهُمْ يَحِقُّ وفي كلامه رحمه الله تعالى إشارة إلى النَّبيِّ والرَّسول عليهما الصلاة وأزكى السلام جميعًا، ولوكان هنالك استثناء في حق النَّبيِّ من التبليغ لبيَّنه رحمه الله تعالى . يتبيَّن مما سبق أنَّ النَّبيَّ والرَّسول عليهما الصلاة وأزكى السلام كلاهما مأمورٌ بالتبليغ، وأنَّ القول "بأنَّ النَّبيَّ غير مأمور بالتبليغ"، ليس بصواب، مع حفظ مكانة من قال به من العلماء الأفاضل وتعظيم مقامهم، رحمهم الله تعالى وجزاهم عنّا خير الجزاء . والله ورسوله أعلـــى وأعلـــم اللهمّ ارحم مشايخنا ومشايخ مشايخنا وارحم من علّمنا وارحم كلّ من له حقٌّ وفضلٌ علينا ،، اللهمّ وارحم والدينا كما ربيانا صغارًا ،، ربِّ اجزهم عنّا خير الجزاء يا ربّ العالمين . اللهمّ انصر دعوتنا وارفع رايتنا واجمع علينا المخلصين من الأحباب وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا رسول الله وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين.
<b>العنوان: </b>20<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث الرُّسليات الدرس العشرون الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أمّا بعد ،،، الصفة الثانية التي يجب على المكلف معرفتها في حقّ أسيادنا عليهم الصلاة وأزكى السلام : (( الأمانة )) وهي حِفظُ الله تعالى لبواطنهم وظواهرهم وجوارحهم عليهم الصلاة والسلام ، أما بواطنهم فهي محفوظة من الغلِّ والحسد والبُغض، وأما ظواهرهم فهي محفوظةُ من كلِّ مرضٍ منفِّر ، وأما جوارحهم فهي محفوظة من أن يقعوا في مُحرَّم أو مكروه قبل النُّبوة وبعدها، ويُسمَّى صاحبها أمينًا للأمن في جِهَتِه من المـُخالفة حسِّية كانت أو معنوية كما مرَّ آنفا. وقد عصمَهم المولى الكريم سبحانه وتعالى من المعاصي قبل النبوَّة لِئلَّا يُعَيِّرَهُم الناس بها بعد النُبوَّة ويُسمَّى ذلك في حقِّهم إرهاصًا، أمَّا بعد النُبُوَّة فهي العِصْمة، فلا تقع منهم الكبائر ولا صغائر الخسةِ قبل النُبُوَّة وبعدها، عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأزكى السلام. وقد اخْـتُلـِفَ في جواز وقوع الصغائر دون الخِسَّة منهم عليهم الصلاة وأزكى السلام، وإنَّ مَنْ صرَّحَ بالجواز قال إنهم يتوبون منها قبل أن يراها الناس مستدلًا بقوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (سورة طه الآيات 121،122) فمن قوله تعالى علمنا أنَّ سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام عصى ربه ثمّ تاب المولى سبحانه وتعالى عليه ، فلم يره أحد يعصي الإله ، فكأنَّ هذه المعصية لم تَقَعْ، والعبرة بعدم الرؤية لئلا يقع الاقتداء بأيِّ معصية . أمَّا صغائرُ الخِسَّةِ فلا خلاف في استحالتها عليهم؛ لأنَّها تتنافى مع كمالاتهم عليهم الصلاة وأزكى السلام . ولـيُعلم أنَّ أفعالهم عليهم الصلاة والسلام محصورة في الطاعة وهي الواجب والمندوب أما المباح فيفعلونه بنية صالحة فينقلب إلى قربة. قال تعالى: { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}، (سورة الشعراء من الآية 107) وقال سبحانه وتعالى:{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنين}،(سورة الأنفال 58) وقال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: { واللهِ إنِّي لَأمينٌ في السَّماءِ، أمينٌ في الأرض ...}، (رواه الإمام الطبراني في المعجم الكبير وغيره). وقد أجمعت الأمة على وجوب الأمانة لهم . البرهان العقليُّ على وجوب أمانَتَهُم عليهم الصلاة وأزكى السلام : لو انتفى عن الرسل عليهم الصلاة والسلام وصف الأمانة بأن خانوا, فوقع منهم منهيٌّ عنه من محرَّم أو مكروه لصار ذلك الـمنهيُّ عنه طاعة في حقهم لأن الله تعالى أمر بالاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم كيف ! وقد أصبح هذا الأمر منهيّ عنه باعتبار ومأمور به باعتبار في آنٍ واحد ! فهذا يؤدِّي إلى اجتماع الضدين وهو في حقِّهم مستحيل ، وما أدى إلى المستحيل مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب وهو أنهم مأمُونون من الوقوع بأي منهيّ عنه وجوبًا ظاهرًا أو باطنًا . قال سيدنا الإمام عبـد الواحــد بــن عـاشــر المالكي المغربي الأندلسي الأنصاري رحـمـه الله ورضي الله عنـه وأرضـاه: لَوِ انْتَفَى التَّبْلِيغُ أَوْ خَانُوا حُتِمْ // أَنْ يُقْلَبَ الْمَنْهِيُّ طَاعَةً لَهُمْ والله ورسوله أعلـــى وأعلـــم اللهمّ ارحم مشايخنا ومشايخ مشايخنا وارحم من علّمنا وارحم كلّ من له حقٌّ وفضلٌ علينا اللهمّ وارحم والدينا كما ربيانا صغارًا ،، ربِّ اجزهم عنّا خير الجزاء يا ربّ العالمين . وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا رسول الله وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>19<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث الرُّسليات الدرس التاسع عشر الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أمّا بعد ،،، الصفة الأولى التي يجب على المكلف معرفتها في حقّ أسيادنا عليهم الصلاة وأزكى السلام : " الصدق" وهو: مطابقة وموافقة ما أُخْبِروا به عليهم الصلاة والسلام لِمَا في نفس الأمر من الحال والواقع حتى ولو كان مداعبةً، فلا يقع منهم الكذب في شيء من ذلك لا عمدًا ولا سهوًا. قال تعالى:{ وما ينطق عن الهوى ،إنْ هو إلا وحيٌّ يوحى}،(سورة النجم الآيات 3-4) وقال سبحانه وتعالى:{ وصَدَقَ المــُرْسَلون } ،(سورة يس من الآية 52) وقال تعالى: { وَاذْكُر في الكِتابِ اسْماعيلَ إنَّهُ كانَ صَادِقُ الْوَعْدَ وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا } ، (سورة السيدة "مريم" عليها الصلاة والسلام ، الآية 54) وعن سيدنا جُبَيْر بن مُطْعِم رضي الله تعالى عنه قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: { لا تجدوني بخيلًا ولا كذوبًا ولا جبانًا }، ( رواه البخاري). ولحديث سيدنا أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لامرأة عِجوز { إنه لا يدخلُ الجنةَ عجوز} فقالت : وما لهنَّ ؟ وكانت تقرأ القرآنَ، فقال لها: { أما تقرئين القرآن { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ } (سورة الواقعة الآيات 35-38) (جامع الأصول في أحاديث الرسول للإمام الجزري) وقال رضي الله عنه: وسمعته يقول لامرأة: { زوُجكِ ، ذلك البياضُ في عينيه ؟} قالت: عَقْرَى ، ومتى رأيتَه ؟ قال: { وهل من عين إلا وفيها بياض ؟ } (جامع الأصول في أحاديث الرسول للإمام الجزري). وقد أجمعت الأمة على وجوب صِدْقِ أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام. البرهان العقليّ على وجوب صدقهم عليهم الصلاة وأزكى السلام : لأنّهم لو لم يكونوا صادقين لَلَزِمْ الكذب في حقّ المولى سبحانه وتعالى، لأنه أيّدهم وصدّقهم بإظهار المعجزات الباهرات على أيديهم، وكأنّه سبحانه وتعالى يقول: صدق عبدي في كلّ ما يُبَلّغُ عني، وتصديق الكاذب كذب، والكذب في حقّه سبحانه وتعالى مستحيل لِمـا علمت من باب الإلهيات، فما أدى إلى المستحيل مستحيل، فَلَزِمَ العكس وثبت المطلوب وهو وجوب صِدّقهم عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأزكى السلام. قال سيدنا الإمام عبـد الواحــد بــن عـاشــر المالكي المغربي الأندلسي الأنصاري رحـمـه الله ورضي الله عنـه وأرضـاه: لَوْ لمْ يكونوا صَادِقِينَ لَلَزِمْ // أنْ يَكْذِبَ الإلهُ في تَصْدِيقِهِمْ إذْ مُعْجِزاتُهُمْ كَقَوْلِهِ، وَبَرّ // صَدَقَ هذا الْعَبْدُ في كُلِّ خَبَرْ والله ورسوله أعلـــى وأعلـــم وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا رسول الله وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>18<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم مبحث الرُّسليات الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ ، أمّا بعد ،،، فيجب على المكلف معرفة الفرق بين الرسول والنَّبي فالرسولُ لغةً: هو الذي يُتابعُ أخبارَ الذي بعثَه، ومنها قولهم: "جاءت الإبلُ رَسَلًا" أي متتابعة، وكذا: "رَسَل اللبن" إذا تتابع ودرّ. أما اصطلاحًا: هو إنسانٌ، ذكرٌ، حُرٌّ، يأتي بشرع جديد من الله عزَّ وجلَّ، يؤمَرُ بتبليغه، ويكون ناسخًا لشرع الرَّسول الذي قبله. •قولنا "إنسان": أي رسُل الإنس، ويخرج منه السادة الملائكة و الجن، إذ ليس في الجنِّ رُسُل وإنما هم رُسُل الإنس إلى الجن، وأمَّا السادة الملائكة عليهم السلام ففيهم الرُّسل، لكن ليس الكلام هنا على رسُلهم. •وقولنا "ذكر": أي خرج منه الأنثى والخنثى، لقول المولى سبحانه وتعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ }،(سورة " يُوسُف" من الآية 109). •وقولنا "حُرٌّ": خرج منه العبد، لانشغاله بخدمة سيِّده. •وقولنا "يأتي بشرع جديد": خرج منه النبيُّ؛ لأنه مُتَّبِعٌ لشرع الرسول الذي قبله، عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأزكى السلام. • وقولنا "يكون ناسخًا": أي إمَّا بالْكُلِّيَّة لقول المولى سبحانه وتعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا }،(سورة المائدة من الآية 48)، وإمَّا بالجزئية لبعض أحكام شريعة الرَّسول الذي قبله، لقوله سبحانه في حقِّ سيِّدنا عيسى عليه الصلاة والسلام: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ }،(سورة آل عمران من الآية 50) أمَّا النبيُّ (لغةً) فله معنيان: الأول: المهموز "النَّبيء": وهو من النبأ، أي الخبر، والثاني: غير مهموز "النَّبيُّ": وهو من النَّبَاوَة، أي الرِّفعة، لِعلوِّ شأن النَّبي واشتهار مكانته . واصطلاحًا: هو إنسانٌ، حُرٌّ، يوحي إليه الله عزَّ وجلَّ، ويكون مُتَّبِعًا لشرع الرسول الذي قبله، ويُؤمَر بتبليغه .والنُّبوة لا تختص بالذكور، بل يجوز (عقلًا وشرعًا) أن تكون في النِّساء، كما هو الحال مع السيدة مريم عليها الصلاة والسلام، إذ جاءت الآيات القرآنية شاهدة على نبوَّتها وهي مسألةٌ تخفى على كثير من طلبة العِلْم، لقوله تعالى:{ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ }، (سورة آل عمران الآية 42)، ولقوله تعالى: { إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ }،(سورة آل عمران من الآية 45) ولحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: { الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَائِهِمْ إِلَّا مَا كَانَ لِمَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ}، (رواه الإمام أحمد). ثم إنَّ النَّبيَّ عليه الصلاة وأزكى السلام مأمورٌ بالتبليغ، كما سيأتي بيانه لاحقاً. ويجب على المكلف أن يؤمن بأن لله رسل وأنبياء على الإجمال، أما ما جاء في القرآن يجب أن يؤمن به على التفصيل والمتفق عليهم خمس وعشرون في كتاب الله، جمع ذكرهم سيدي إبراهيم المارغني المالكيّ التونسيُّ رحمه الله تعالى في قوله: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنَ الرُّسْلِ بِهِمْ //قَدْ وَجَبَ الإِيمَانُ تَفْصِيلًا عِهِمْ وَفِي الْكِتَابِ ذُكِرُوا بِدُونِ رَيْبْ //هُمْ آدَمُ إدْرِيسُ نُوحٌ شُعَيْبْ ذُو الكِفْلِ إِلْيَاسُ الْيَسَعْ أَيُّوبْ // إِسْحَاقُ صَالِحٌ كَذَا يَعْقُوبْ هَارُونُ لُوطُ زَكَرِيَّا مُوسَى // يُوسُفُ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ عِيسَى يُونُسُ إِسْمَاعِيلُ ثُمَّ هُودْ // يَحْيَى سُلَيْمَانُ كَذَا دَاودْ مُحَمَّدٌ خَاتَمُهُمْ وَقُلْ يَجِبْ // الاِيمَانُ إِجْمَالًا بِغَيْرِهِمْ تُصِبْ فمما يجب أن يُعْلَم بأن أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام بشرٌ في أصل الخِلْقة لكنهم عليهم الصلاة وأزكى السلام ليسوا كالبشر بما ميزهم الله ووهبهم من صفات الكمال، فإنّهم أكمل الخَلْقِ صورةً ومعنًى، وأطهرهم ظاهرًا وباطنًا. فقد أعطاهم المولى الكريم فأحسن لهم العطيّة وبلغوا برُتبهم مقامًا دونه كلّ البريّة. قال المولى سبحانه وتعالى: {وكلًا فضّلنا على العالمين} ،(سورة الأنعام من الآية 86) . وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم اللهمّ ارحم مشايخنا ومن علّمنا وكلَّ من له حقٌّ وفضلٌّ علينا وَآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين.
<b>العنوان: </b>17<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس السابع عشر ما يجوز في حق الله سبحانه وتعالى: بِسّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. (( ثالثًا : ما يجــوز في حـقّ الله سبحانه وتعالى)) يجوز في حقِّه سبحانه وتعالى فعلُ كلّ ممكن أو تركه، فيجب على المكلف أن يعتقد أن الله تعالى يجوز له أن يخلق ويختار من خلقه ما يشاء (بلا كيف)، ولا يجب عليه شيء سبحانه وتعالى؛ لأنه هو المتصرف المطلق الفاعل بالاختيار، ليس لأحدٍ الاختيار معه، بيده الأمور كلُّها، خيرها وشرّها، يُعطي ويمنعُ، ويُعزُّ ويُذلُّ، وينفعُ ويَضُرُّ، ويَغفرُ ويُعذِّبُ، ويُثيبُ ويُعاقبُ، سبحانه لا إله إلا هو . الأدلة النقلية على ما يجوز حق الله سبحانه وتعالى: من القرآن الكريم: قال الله تعالى :{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، (القصص: الآية: 68). وقال سبحانه وتعالى :{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ،(آل عمران: الآية: 26). وقال تعالى: { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، (آل عمران: الآية: 129). ومن السُنّة المشرفة: عن عبد الحميد مولى بني هاشم أنَّ أمَّهُ حدَّثتهُ أنَّ ابنةَ سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حدثتها أن سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يُعَلِّمُها فيقول: {قولي حين تُصْبِحينَ : سبحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ، لَا قُوَّةَ إِلّا بِالله، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ}(رواه أبو داود). الإجماع: وقد أجمعت الأمة أنّه لا يحدث في العالم شيء إلا بإرادة الله تعالى فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . الدليل العقلي على ما يجوز في حق الله سبحانه وتعالى: لو وجب عليه سبحانه وتعالى شيء من الممكن لكان مُكْرَهًا على فِعْله، ولو استحال عليه فعل ممكن لصار مُكْرَهًا على تركه، والــمُكْرَهُ عاجزٌ، والْعَجْرُ عليه سبحانه وتعالى مستحيل لما علمنا من وجوب قدرته سبحانه وتعالى، وما أدى للمستحيل مستحيل، فلزم العكس، وثبت المطلوب وهو جواز فعلِ الممكنِ أو تَرْكِهِ في حقِّهِ سبحانه وتعالى. يقول سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر الفاسي المالكي رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه: يَجُوزُ فِي حقِّه فِعلُ الْمُمْكِنَاتْ // بأسْرِهَا وَتَرْكُها فِي الْعَدَمَاتْ فالحاصل أنه لو انقلب الجائز إلى المستحيل أو إلى الواجب لتغيرت الحقائق كما سبق. كيف وقد ثبت بالبراهين القطعية اتصافه تعالى بالقدرة والإرادة وسائر الصفات المذكورة. يقول سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر الفاسي المالكي رحمه الله: لو استحالَ ممكنٌ أوْ وَجَبَا // قلبَ الحقائقِ لُزوماً أوْجَبَا وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم وَآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>16<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس السادس عشر ما يستحيل في حق الله سبحانه وتعالى: بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. ثانيًا : ما يستحيل في حق الله سبحانه وتعالى: يستحيل عليه سبحانه وتعالى الاتصاف بأضداد الصفات الواجبة له سبحانه ، وما سواها من صفات النقصان، فنفي كل كمال له سبحانه وتعالى هو نقصٌ يجبُ تنزيهُه سبحانَهُ عنه. فيستحيل عليه سبحانه وتعالى( العَدَمْ ) : وهو ضدُّ الوجود، وهو عبارة عن لا شيء، فالوجود لله سبحانه وتعالى واجب والعدم عليه مستحيل. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى( الحدُوث ) : وهو ضدُّ القِدَم، والحدوث هو الوجود بعد العدم، فكلُّ ما لم يكُن ثم كان، فهُو الحادِث. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى( الفناء) : وهو ضدُّ البقَاء، والفناء هو طُروُّ العَدَم، والانقضاء بعد الوجود. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى( المماثلة للحوادِث ) : وهي ضدُّ المخالفة للحوادث، والمماثلة للحوادث هي اتِّصافُه سبحانه وتعالى بأيِّ صفة من صفاتها، كأن يكون جِرمًا، أو عَرَضًا يقومُ بالجِرم، أو يكون في جهة، أو يتقيَّدَ بمكان أو زمان. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى( أن لا يكون قائمًا بنفسه) : وهو ضدُّ الغنى المطلق، ومعنى عدم القيام بالنفس هو الافتقار إلى ما سواه، بأن يكون صفةً يحتاج إلى محلٍّ أو يحتاج إلى مخصِّص. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى (أن لا يكون واحدًا): وهو ضدُّ الوحدانية، بمعنى أن يكون مركَّبًا في ذاته، أو يكونَ له مماثلٌ في ذاته أو صفاته، أو يكونَ معه في الوجود مؤثِّر. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى( العجز عن ممكن ما ): وهو ضدُّ القدرة، وهو بمعنى أن تتعلَّق القدرة بجائز الوجود إيجادًا فلا توجدُه، أو إعدامًا فلا تُعدِمُه. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى( إيجاد شيء من العالم مع كراهَتِهِ له): وهو ضدُّ الإرادة، وهو بمعنى إيجادِ الشيء أو إعدامِهِ معَ عدم إرادتِهِ لَهُ سبحانه وتعالى، أو مع الذُّهُول أو الغفلة أو بالتَّعليل أو بالطَّبع، إذ كل ما سبق من أوهام الحدوث. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى (الجهل): وهُو ضِدُّ العلم، ومعنى الجهل: عدم الإحاطة بالمعلومات من واجب وجائز ومستحيل، ويستحيل عليه سبحانه وتعالى ما في معنى الجهل أيضًا كالشك والظن والوهم والذُّهول والغفلة والنِّسيان. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى( الموت): وهو ضدُّ الحياة، ويستحيل عليه سبحانه وتعالى ما في معنى الموت كأن تكون حياته سبحانه وتعالى بروح أو نفس أو بأكل أو شرب أو نوم أو غير ذلك من أوصاف الحوادث. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى (الصَّمَمْ) : وهو ضدُّ السَّمع، وحقيقة الصَّمم عدم السَّمْع لوجود آفة تمنع من ذلك، وكذا يستحيل عليه سبحانه وتعالى ما في معنى الصمم ككون سَمْعه سبحانه وتعالى بالآذان أو الصِّماخ أو غير ذلك. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى( العَمَى) : وهو ضدُّ البصر، وحقيقة العمى عدم البصر لوجود آفة تمنع من ذلك، وكذا يستحيل عليه سبحانه تعالى ما في معنى العمى ككون بصره سبحانه وتعالى بالـمُقلَة أو الأجفان أو الحدقة أو غير ذلك. ويستحيل عليه سبحانه وتعالى (البَكَم) : وهو ضدُّ الكلام، وحقيقة البَكَم عدم الكلام لوجود آفة تمنعه من ذلك، وكذا يستحيل عليه سبحانه وتعالى ما في معنى البكم ككون كلامه سبحانه وتعالى بحروف وأصوات وغير ذلك من الصفات الحادثة. وباختصار يستحيل على المولى سبحانه وتعالى كل ما قابل الكمال من معاني النقصان وأوهام الحدوث، فالله سبحانه وتعالى موصوف بكل كمال يليق به، منزَّه عن كل نقص في حقِّه، سبحانه لا إله إلا هو. يقول سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر الفاسيّ المالكيّ رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه: وَيسْتَحِيلُ ضِدُّ هَذِهِ الصِّفَاتْ // الْعَدَمُ الحُدُوثُ ذَا لِلْحَادِثَاتْ كَذَا الْفَنَا وَالافْتِقَارُ عُدَّهْ // وأَنْ يُماثَلَ وَنَفْيُ الوَحْدَةْ عَجْزٌ كَرَاهَةٌ وَجَهْلٌ ومَمَاتْ // وَصَمَمٌ وَبَكَمٌ عَمَىً صُمَاتْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم وَآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين.
<b>العنوان: </b>15<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس الخامس عشر الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (صفة الكلام) بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. الصفة السابعة من صفات المعاني ،و الصفة الثالثة عشر والأخيرة من صفات الكمال الواجب على المكلف تعلّمها في حق المولى سبحانه وتعالى : " الـكــلام " الكلام: صفةٌ أزليةٌ أبديّةٌ يتصف بها واجب الوجود الله سبحانه وتعالى، تدل على جميع ما يتعلق به العِلْم من الواجبات والجائزات والمستحيلات. وحقيقة الكلام: هو المعنى القائم بالذات (وهي كبقية الصفات غير منفصلة عن الذات وغير حالةٌ فيها) المعبّر عنه بالعبارات المختلفة كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن، الذي ليس بصوتٍ ولا حرفٍ، الـمُنـزّه عن البعض والكلّ والتقديم والتأخير، والسكون والتمديد، واللحْنِ والإعراب، والسّر والجهر وسائر أنواع التغيّرات، إذ كلّ ذلك من صفة الحوادث. وصفة الكلام دالةٌ على كلّ ما تدل عليه صفة العِلْم ولكنْ تعلّق صفة العِلْم تعلّق انكشاف وإحاطة ،وتعلّق صفة الكلام تعلّق دلالة، بمعنى انّ كلامه سبحانه وتعالى دالٌّ أزلًا وأبدًا على جميع معلوماته التي لا نهاية لها، (( والكلُّ بلا كيف )). قال تعالى:{ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} ،(الكهف: الآية109) وقال سبحانه وتعالى: { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }،(لقمان: الآية: 27) وقال تعالى: { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} ،(الشعراء: من الآية: 5) وقال سبحانه:{ قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله.....الآية} ،(البقرة: من الآية: 97). وللقرآن الكريم إطلاقان: 1- الكلام الذاتي الأزليّ الأبديّ: الذي لا يتبدل ولا يتجزأ ولا يقبل التغيير وليس عربيًا ولا سريانيًا ولا غيرهما من اللغات. 2- اللفظ الـمُنـزّل على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لإعجاز المعارض بأقصر سورة من سُوره، المحفوظ في الصدور، المقروء بالألسن، الـمُتعبد بتلاوته، المكتوب في المصاحف، الـمُبتدأ بسورة "الفاتحة" والمنتهي بسورة "الناس" ،ليس من تأليف سيدنا جبريل عليه السلام ولا سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم . ويُسمّى كلام الله أيضًا؛ لأنه ترجمةٌ عن بعض مدلول الكلام القديم. فالكتب السماوية والصحف كذلك ليست من الكلام الأزلي لأنها ألفاظ مركبةٌ من حروف، مقروءة بأصوات يدخلها التعبير والتشكيل والخطأ، لها مخارجٌ وصفات يُمحَى ويُحْرَق، ولها حدّ، وهي منـزّلة، والمنـزّل حادث، وكلام الله تعالى الأزلي الأبدي ليس كذلك لا يُحدُّ ولا يُوصفُ بنزولٍ أو صعودٍ أو غيرها من أوهام الحدوث. ولا يجوز أن يُقال (القرآن مخلوق ) أو (القرآن حادث ) لأن ذلك من الكفر الظاهر الذي يحتمل أكثر من معنى، فالقرآن الكريم يُطلق ويُراد به اللفظ الـمُنـزّل على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويُطلق ويُراد به كلام الله تعالى الأزلي الأبدي الذي ليس بصوتٍ ولا بحرف. لذلك لا يُقال القرآن مخلوق لئلا يتوهم مُتَوَهِمْ حدوث الكلام القديم ، ويجوز أن يُقال القرآن بمعنى الكتاب المنزّل أنه مخلوق في مقام التعليم .. ملاحظات هامة جدًا: 1- سماع سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام لكلام الله تعالى ليس يُفهم منه أن المولى كان ساكتًا ثم تكلم، أو تكلم فانقطع كلامه بعد السَّماع، وإنمّا المراد أن الله تعالى أزال المانع عنه وقوّاه حتى سمع الكلام القديم الذي ليس بصوت ولا حرف، ثمّ ردّ المانع عليه ولم يسمع، ولا ننسى أنّ ذلك كله بلا كيف، فلا نتوهم صورة أو حدوثّا أو ابتداء أو انتهاء. فعندما نقرأ قول الله تعالى : {وأَقِيْمُوا الصَّلَاةَ} يُفهم أن الصلاة واجبة، ولو أزيل عنّا المانع فسمعنا الكلام الأزلي بلا كيف لفهمنا كذلك وجوب الصلاة. 2- الاستهزاء بالكتب الْمُنَزَّلة ولو حُرِّفت كفرٌ، لأنها لا تخلو من صوابٍ وحقّ. الأدلة النقلية على وجوب صفة الكلام في حق الله سبحانه وتعالى: من القرآن الكريم: قال الله تعالى :{ وكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلَيمًا }،( النساء: الآية: 164) . وقال تعالى: {وما كان لبشرٍ أن يُكلِّمه اللهُ إلا وحيًا اومن وراء حجاب أو يُرسل رسولًا فيوحي بإذنه ما يشاء إنّه عليٌّ حكيم} ،(الشورى: الآية:51)، ففي الآية الكريمة ذِكرُ الوحي ،والحجاب، فلا يتوهم متوهم صوتًا أو حاجزًا أو مكانًا لأن كل تلك المعاني هي من أوهام الحدوث المستحيلة على الله سبحانه وتعالى. ومن السُنّة المشرفة: عن سيدنا عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { ما مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِمُهُ ربُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ تُرْجُمَان وَلَا حِجَابٌ يَحْجُبُ } ،(رواه البخاري). الإجماع: وقد أجمعت الأمة على وجوب اتصافه تعالى بصفة الكلام القديم الأزلي. الدليل العقلي على وجوب صفة الكلام في حق الله سبحانه وتعالى: لو لم يتّصف سبحانه وتعالى بالكلام لاتّصف بضدّه (البَكَم ) وهو نقص، والنقص عليه سبحانه وتعالى مستحيل، وما أدى للمستحيل مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب وهو وجوب صفة الكلام للخالق سبحانه. يقول سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر الفاسي المالكي رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه: وقُدرةٌ إرادةٌ عِلْمٌ حَيَاةْ // سَمْعٌ "كَلامٌ " بَصَرٌ ذِي واجبَاتْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم وَآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>14<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس الرابع عشر الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (صفة البَصَرْ ) بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. الصفة السادسة من صفات المعاني : " البَصَــرْ " تعريفها : صفةٌ أزليةٌ أبديّةٌ يتصف بها واجب الوجود الله سبحانه وتعالى، تتعلق بكل المُبصرات معًا، فتنكشف بها كلّ الـمُـبْصَرات معًا على ما هي عليه انكشافًا تامًا دون سبق جهل، من غير آلة ولا اتِّصال شعاع ولا بُعد مسافة، ولا غير ذلك مما يكون للحادث. فيرى الله سبحانه وتعالى ذاته القَديمة، ويرى كل موجود مما نعلمه ومما لا نعلمه، يرى الدقيق والعظيم ،الجليُّ والخفيّ، لا يمنعه من ذلك ساترٌ ولا مانعٌ ولا حاجب . الأدلة النقلية على وجوب صفة البصر في حق الله سبحانه وتعالى: من القرآن الكريم: قال تعالى: {قالَ لا تخافَا إنّني مَعَكُمَا أسمعُ وأرى }،( طـه: الآية: 46) وقال تعالى: {وهو السميع البصير } ،(الشورى: من الآية: 11). من السُنّة المشرَّفة: رُوي عن سيدنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سَفَر، فكنَّا إذا علونا كبّرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:{ أرْبِعُوا على أنْفُسَكُم فإنَّكم لا تَدْعُونَ أصَمًّا ولا غائبًا، ولكن تَدْعُونَ سَمِيْعًا بَصِيْرًا } ،(رواه البخاري). الإجماع: وقد أجمعت الأُمَّةُ على وجوب اتصافه تعالى بصفة البَصَرْ. قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في (إحياء علوم الدين): "الله تعالى سميعٌ بصيرٌ، يسمعُ ويرى ولا يَعْزُبُ عن سَمْعِه مسموعٌ وإنْ خَفِي، ولا يغيبُ رؤيته مَرْئِيٌ وإنْ دَقْ، لا يحجبُ سَمْعَه بُعْدٌ ولا يدفعُ رؤيته ظلام، يرى من غير حَدَقَةٍ وأجفان، ويسمعُ من غير أصْمِخَةٍ وآذان، كما يعْلَمُ بغير قلبٍ ويبطشُ بغير جارحة، ويَخْلُقُ بغير آلة، إذ لا تشبه صفاته صفات الخَلْق، كما لا تشبه ذاته ذات الخَلْق" ..أهـــ الدليل العقلي على وجوب صفة البَصَرْ في حق الله سبحانه وتعالى: أنّه لو لم يتصف به لجاز أن يتصف بضدّه وهو العَمَى، وهو نقصٌ والنقصُ عليه تعالى مُستحيل فما أدى إلى المستحيل مستحيل، فلَزِمَ العكس وثبت المطلوب وهو وجوب اتِّصافه سبحانه وتعالى بالبَصَرْ. يقول سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر الفاسي المالكي رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه: وقُدْرَةٌ إرادةٌ عِلْمٌ حَيَاةْ // سَمْعٌ كَلامٌ بَصَرٌ ذِي واجبَاتْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم وَآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>13<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس الثالث عشر الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (صفة السَّمْع) بِسِّمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَّهَاب ،ربَّنَا إنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيومٍ لا رَيْبَ فيه، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ. الصفة الخامسة من صفات المعاني : السَّمــْـع : تعريفها : صفةٌ أزليةٌ أبديّةٌ يتصف بها واجب الوجود الله سبحانه وتعالى، تتعلق بكل الموجودات معًا تعلق انكشاف من غير معالجة ولا آلة ولا بُعد مسافة ولا تقديم ولا تأخير ولا تزاحم أصوات. فيسمع الله تعالى كلامه الأزلي الأبدي الذي ليس بصوت ولا حرف ككلام البشر، ويسمع كل ما هو جائز من خلقه معًا حتى أنه ليسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمّاء . الأدلة النقلية على وجوب صفة السمع في حق الله سبحانه وتعالى: من القرآن الكريم: قال تعالى: (قالَ لا تخافَا إنّني مَعَكُمَا أسمعُ وأرى )،( طـه: الآية: 46) وقال تعالى:(وهو السميع البصير)،(الشورى: من الآية: 11) من السُنّة المشرفة: رُوي عن سيدنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فكنا إذا علونا كبّرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمًّا ولا غائبًا، ولكن تدعون سميعًا بصيرًا )، (رواه البخاري) الإجماع: وقد أجمعت الأمة على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالسَمْع. الدليل العقلي على وجوب صفة السَّمْع في حق الله سبحانه وتعالى: لو لم يتصف سبحانه وتعالى بالسَّمْع لاتَّصف بضده وهو نقص، والنقص صفة الحوادث وهو مستحيل لما علمنا من وجوب مخالفته تعالى لها، فما أدى للمستحيل فهو مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب بأن الخالق سبحانه وتعالى وجوبًا يتصف بالسَمْع. يقول سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه: وقُدرةٌ إرادةٌ عِلْمٌ حَيَاةْ // "سَــمْعٌ " كَلامٌ بَصَرٌ ذِي واجبَاتْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم وَآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّم وزد وبَارك عَلَى سيِّدنا ومولانا محمَّد وعَلَى آل بيته وصحبه الطَّيبين الطَّاهرين
<b>العنوان: </b>12<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس الثاني عشر الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (صفة الحياة) الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، الصفة الرابعة من صفات المعاني: الحياة تعريفها: صفةٌ أزليةٌ أبديّةٌ يتصف بها واجب الوجود سبحانه وتعالى، تُوجب له سبحانه وتعالى الاتصاف بغيرها من صفات المعاني ما علمنا منها ومالم نعلم، إذ لا يُعْقلُ أن يتَّصف غيرُ الحيِّ بها. وحياتُه سبحانه وتعالى أزلية ٌأبديَّةٌ بلا روح ولا كيف، ولا تتعلق بشيء بخلاف الحوادث. الأدلة النقلية على وجوب صفة الحياة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: أولاً: من القرآن الكريم: - قال تعالى: ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ))(البقرة من الآية:255). - وقال تعالى: ((وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ))(الفرقان: من الآية:58). ثانيًا: من السُنَّة النبويَّة المشرَّفة: عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كان سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كَرَبَهُ أمرٌ قال: "يا حيُّ يا قيّوم برحمتك أستغيث"(رواه الترمذي). ثالثًا: الإجماع: أجمعت الأمة على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالحياة. الدليل العقلي على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالعلم: لو لم يكن سبحانه وتعالى حيًّا لكان مَيْتًا، وكونه مَيْتًا يلزم منه عدم العِلم وعدم الإرادة وعدم القدرة وسائر الصفات، وهذا باطلٌ؛ لأنه يلزم منه عدم وجود شيء من العالم الذي علمنا وجوده مشاهدةً، وهذا مستحيل، وما أدى للمستحيل فهو مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب بأنه يجب اتصاف المولى سبحانه وتعالى بالحياة. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكيُّ الفاسيُّ رحمه الله تعالى: لو لمْ يَكُنْ حيًا مُريدًا عالِما // وقَادِرًا لَمَا رأيتَ عالَما والله ورسوله أعلى وأعلم وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على سيدنا ومولانا محمَّد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.
<b>العنوان: </b>11<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس الحادي عشر الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (صفة العلم) الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، الصفة الثالثة من صفات المعاني: العلم تعريفها: صفةٌ أزليةٌ أبديةٌ يتصف بها واجبُ الوجودِ سبحانه وتعالى، يُكْشف له بها سبحانه وتعالى كل معلوم على وجه الإحاطة على ما هو به، من غير سَبْقِ خفاء. وعِلْمه سبحانه وتعالى يتعلَّق بكل ما هو معلوم من: الواجبات: كعِلْمه سبحانه بذاته وصفاته وأسمائه. المستحيلات: كعِلْمه سبحانه وتعالى بكل ما يدل على النقص في حقِّه كالزوجة والولد والشريك. والجائزات: الممكنات وصفاتها وأسماؤها . وعِلْمُهُ سبحانه وتعالى ذاتيّ لا يزيد ولا ينقص: ذاتيٌّ :أي أنَّه لم يتعلم من أحد كما هو حال الحادث. لا يزيد: لأنه لو زاد لكان قبله جاهلاً. لا ينقص: لأنه لو نقص لصار بعده جاهلاً . وعِلْمه سبحانه وتعالى محيطٌ بكل ما هو معلوم في آنٍ واحد، أي غير مسبوق بجهل، ولا يحتاج إلى نظر وتأمُّل وتفكر. الأدلة النقلية على وجوب صفة العلم في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: أولاً: من القرآن الكريم: - قال تعالى: ((وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً))(الطلاق: الآية 12). - وقال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))(المجادلة: من الآية 7). ثانيًا: من السُنَّة النبويَّة المشرَّفة: قد عدَّ سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العليم في حديث أسماء الله تعالى الحسنى. ثالثًا: الإجماع: أجمعت الأمَّة على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالعِلْم. الدليل العقلي على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالعلم: لو لم يكن سبحانه وتعالى عالِمًا لكان جاهلًا، والجهل صفة نقص، والنقص في حقِّه مستحيل، وما أدى إلى المستحيل مستحيل؛ لما علمناه من وجوب مخالفته تعالى للحوادث، فثبت العكس ولزم المطلوب بأن علمه سبحانه وتعالى أزلي أبدي لا يزيد ولا ينقص. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكيُّ الفاسيُّ رحمه الله تعالى: لو لمْ يَكُنْ حيًا مُريدًا عالِما // وقَادِرًا لَمَا رأيتَ عالَما والله ورسوله أعلى وأعلم وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على سيدنا ومولانا محمَّد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.
<b>العنوان: </b>10<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس العاشر الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (صفة الإرادة) الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، الصفة الثانية من صفات المعاني: الإرادة تعريفها: صفةٌ أزليةٌ أبديةٌ يتصف بها واجبُ الوجودِ سبحانه وتعالى، يُخصص بها سبحانه وتعالى الممكن ببعض ما يجوز عليه دون البعض الآخر على وِفق العِلْم. ومحلُّ تعلُّق الإرادة هو التخصيص، فالقدرةُ تُوجِدُ على وِفْقِ الإرادة، والإرادةُ تُخصِّص على وِفْق العِلْم، فهو سبحانه وتعالى لا يُوجد إلاَّ ما أراد، ولا يُريدُ إلا ما علِم، وهو سبحانه الفاعلُ المختارُ، لا يُكْرَهُ على شيء. أما الأشياء التي تجوز على الممكن فهي المتقابلات، وهي ستٌ يقابلها ست: - الوجود. - الزمان المخصوص. - المكان المخصوص. - المِقْدار المخصوص. - الجهة المخصوصة. - الصفة ُالمخصوصة. وقد جمعها الشيخ القصَّار المالكيُّ الفاسيُّ رحمه الله تعالى في قوله: المُمكناتُ المُتقابلاتْ // وجودُنا العَدَمُ الصْفاتْ أزمنةٌ أمكنةٌ جهات // كذا المقاديرُ روى الثُقاتْ فالوجود يُقابلُ بالعَدَم، والقِدَمُ يُقابلُ بالحُدوث، والبقاءُ يُقابلُ بالفَناء، وهكذا في كلِّ الصفات، وكلُّ زمنٍ يُقابلُ بما قبله وبعده، وكلُّ مكانٍ يُقابلُ بغيره من الأمكنة، وكلُّ جهةٍ تُقابلُ بغيرها من الجهات، وما قُدِّر بالذراع مثلاً يُقابلُ بما يُقدَّر بالقصبة وغيرها. وللإرادة تعلُّقان: أ) صَلُوحِيُّ: وهو صلاحيتها أزلاً لتخصيص الممكن. ب) تَنْجِيزِيٌّ: وهو الأثرُ الذي يظهر على الممكن عندما يُخصَّص ببعض ما يجوز عليه دون البعض الآخر، أي بمعنى (أثر الصَّلُوحِي)، والله سبحانه وتعالى يُخصِّص أزلاً، ويُظهر لنا الأثر عند حدوثه، فالحادث هو الذي بدا لنا وظهر، وليس إرادة الله تعالى، إذ هي أزليةٌ لا كيف لها. وكلُّ شيء موجود من الجواهر والأعراض قد أراده الله تعالى، إذ لا يقع في مُلْكِه إلا ما يُريد، سواء أمر به أو نهى عنه؛ لأن الإرادة تختلف عن الأمر وهي على أربع مراتب: 1. يريد الشيء ويأمر به: كالإيمان من المؤمن. 2. يريد الشيء وينهى عنه: كالكفر من الكافر. 3. لا يريد الشيء ويأمر به: كالإيمان من الكافر. 4. لا يريد الشيء وينهى عنه: كالكفر من المؤمن. وكلُّ ما سبق لا يخلو مِنْ حِكْمةٍ لهُ سبحانه وتعالى، قال تعالى: ((لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ))(سورة الأنبياء: الآية 23). وتأتي الإرادة بمعنى المشيئة: قال تعالى : ((إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ))(سورة الأنعام: من الآية 111) ويأتي القضاء بمعنى المشيئة: قال تعالى: ((فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ))(سورة فُصِّلت: من الآية 12)، فقضاهنَّ: أي أرادهنَّ. وقد يأتي القضاء بمعنى الأمر: قال تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً))(سورة الإسراء: من الآية 23)، قضى: أي أمَرَ، ويُفهم ذلك من مخالفة العباد لمقتضى الآية، فالعبد لا يخالف إرادة الله تعالى، إنَّما يُخالف أمره، فليس كلُّ العباد مؤمنين. الأدلة النقلية على وجوب صفة الإرادة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: أولاً: من القرآن الكريم: - قال تعالى: ((مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))(سورة القصص: من الآية 68). - وقال تعالى :((إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ))(سورة هود: من الآية 107). ثانيًا: من السنة النبويَّة المشرَّفة: عن عَبْدَ الْحَمِيدِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّ ابْنَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهَا فَيَقُولُ: "قُولِي حِينَ تُصْبِحِينَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ"(رواه أبو داود). ثالثًا: الإجماع: أجمعت الأمَّة على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالإرادة المُطْلقة. قال سيدنا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه: ما شِئْتَ كانَ وإنْ لَمْ أشَأ // وما شِئتُ إنْ لم تَشَأْ لَمْ يَكُنْ خَلَقتَ العِبادَ على ما عَلِمْت // فَفِي العِلْمِ يجْري الفَتى والمُسنْ على ذا مَنَنْتَ وهذا خَذَلتْ // وهذا أعَنْتَ وذا لَمْ تُعِنْ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَمِنْهُمْ سَعيدْ // وهذا قبيحٌ وهذا حَسَنْ الدليل العقلي على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالإرادة المطلقة: أنَّه لو لم يكن سبحانه وتعالى مُريدًا لكان مُكْرهًا، وكونُهُ مُكْرهًا باطلٌ لِما يلزم من العجز المنافي لتمام وكمال قدرته سبحانه وتعالى، وقد تمَّ اثباتها سابقًا. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكيُّ الفاسيُّ رحمه الله تعالى: لو لمْ يَكُنْ حيًا مُريدًا عالِما // وقَادِرًا لَمَا رأيتَ عالَما والله ورسوله أعلى وأعلم وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على سيدنا ومولانا محمَّد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين
<b>العنوان: </b>9<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس التاسع الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (صفة القُدْرة) الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، القسم الثالث من الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: صفات المعاني تعريفها: هي الصفات القائمة بالذات الملازمة لها لا تحل فيها ولا تنفك عنها، لائقة بكماله سبحانه وتعالى، لها آثارٌ في الخارج تدل عليها، دائمة الوجود مستحيلة العدم، وهي سبع صفات: القُدْرة، الإرادة، العِلْم، الحَياة، السَمْع، البَصَر، والكلام. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: وقُدْرَةٌ إرادةٌ عِلْمٌ حياةْ // سَمْعٌ كلامٌ بَصَرٌ ذِيْ واجباتْ الصفة الأولى من صفات المعاني: القُدْرة وهي الصفة السابعة من صفات الكمال الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى. تعريفها: صفةٌ أزليةٌ أبديةٌ يتصف بها واجب الوجود سبحانه وتعالى، يَتَأتّى بها إيجاد الممكن أو إعدامه على وِفْق إرادته سبحانه، فالقدرة لا تتعلق بالواجب ولا بالمستحيل وإنَّما بالممكن. وتعلّقها بالواجب والمستحيل له وجهان : أولًا: تعلُّقها بالواجب ايجادًا وبالمستحيل إعدامًا: وهذا لا يصح؛ لأنه يلزم منه تحصيل الحاصل والعَبَثْ، والله عزَّ وجلَّ منزَّهٌ عن أن تخلو أفعاله من الحكمة. ثانيًا :تعلُّقها بالواجب إعدامًا، وبالمستحيل ايجادًا :وهذا كذلك لا يصح؛ لأننا لو فرضنا جواز ذلك لأدى لُزومًا إلى المستحيل، وما أدى إلى المستحيل فهو مستحيل، فلزم العكس. ومن وجهٍ آخر: إنَّ الذي خلق كل الأشياء هو الله تعالى، وهو الذي كتب على بعضها أنَّه واجب وعلى بعضها أنه محال وعلى البعض الآخر أنه جائز، فلو جاز أن يُقلب أي منها من حكمه إلى غيره لجاز التغير والمزاج في حقه تعالى، وكلاهما عليه مستحيل، وما أدى إلى المستحيل فهو مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب أنَّ قدرة الله تعالى لا تتعلق بالواجب ولا بالمستحيل وإنَّما بالممكن. وعليه لا يصحُّ أن يقول قائل: إن الله تعالى قادرٌ على أن يخلق شريكًا له، ولا يصحُّ أن يقول أن سبحانه عاجز عن ذلك؛ لأن القدرة لا تتعلق بالمستحيل، وأن يخلق الله شريكًا مستحيل وإنما توصف بالعجز إنْ تعلَّقت بالممكن فلم تنفذ فيه ايجادًا أو إعدامًا. ثمّ إن القدرة توجد الممكن وتعدمه على وِفْق الإرادة، وقلنا على وِفْق الإرادة حتى نثبت في عقل السامع أن الله تعالى فاعلٌ بالاختيار من غير إكراه، ونسلب من ذهنه كل معنى للإكراه، فلا معنى للقدرة مع الإكراه؛ لأنه يكون حينها عاجزًا، فلا مُكْرَه قادِر. وللقدرة تعلُّقان: أ- تعلُّق صلوحي: أي أنَّ قدرة الله تعالى صالحة في الأزل لإيجاد الممكنات أو إعدامها. ب- تعلُُق تنجيزي: أي تنجيز الممكن وتحصيله بأن يُوجِدْ أو يَعْدِم، وهو ما يُعَبْر عنه بـ "آثار القُدْرة". فالقدرة أزلية أبدية لا كيف لها، ونحن إنَّما ندرك آثارها ونفهم المَقْدورات أي آثار القدرة. الأدلة النقلية على وجوب صفة القدرة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: أولاً: من القرآن الكريم: قال تعالى:"وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً "(سورة الفرقان: من الآية 54). ثانيًا: من السنة النبويَّة المشرَّفة: عن سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(رواه مسلم). ثالثًا: الإجماع: أجمعت الأمة على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالقُدْرَة المطْلَقة. الدليل العقلي على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالقدرة: أنَّه لو لم يكن الله تعالى قادرًا لكان عاجزًا، ولو كان عاجزًا لما وُجِدَ شيء من هذا العالَم، وعدم وجود شيء من العالم باطلٌ محالٌ بالمشاهدة، فلزم العكس وثبت المطلوب، وهو اتصافه سبحانه وتعالى بالقدرة المُطْلَقة. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: لو لمْ يَكُنْ حيًا مُريدًا عالِما // وقَادِرًا لَمَا رأيتَ عالَما والله ورسوله أعلى وأعلم وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على سيدنا ومولانا محمَّد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين
<b>العنوان: </b>8<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس الثامن الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (الوَحْدانية) الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، سادسًا: صفة الوَحْدانية: وهي الصفة الخامسة والأخيرة من الصفات السلبية التي يجب على المكلف أن يعلمها في حقِّ المولى سبحانه وتعالى. تعريفها :وهي صفةٌ أزليةٌ أبديَّةٌ يتصف بها واجب الوجود سبحانه وتعالى، تسلب وتنفي عنه سبحانه وتعالى تعدد الذَّات والصَّفات والأفعال . - وَحْدَةُ الذات: بمعنى عدم تعددها أو تركيبها من أجزاء، فذاته سبحانه وتعالى لا تشبه الذوات المخلوقة وليس في الخَلْقِ ذاتٌ كذاته سبحانه وتعالى . - وَحْدَةُ الصفات: بمعنى أنه ليس لأحدٍ صفة تشبه صفةً من صفاته سبحانه وتعالى، وليست صفاته متعددة من جنس واحد كَعِلْمَين أو قُدْرَتَين، فَعِلْمُه سبحانه وتعالى محيطٌ بكل المعلومات، وقدْرَتُه تعالى مُتَعَلِقةٌ بكلِّ الممكنات. - وَحْدَةُ الأفعال: بمعنى أنه ليس لأحدٍ غيره تعالى فعلٌ من الأفعال، فالله تعالى خالقُ كلِّ شيء، ومُبْدع كل شيء، فهو مُسْتقلٌّ بالإيجاد والإبداع، فالمخلوق لا يخلق فعله إنَّما يكْسِبهُ، وبمعنى آخر :لا مؤثر على معنى الحقيقة إلا هو تعالى، وكل ما سواه سبحانه سببٌ جَرَت العادةُ أن تكون معه الأشياء، فمثلًا: النَّار سبب للحَرْق، ومعها يكون الحَرْق لا بها؛ لأن خالق الحَرْق حقيقةً هو الله تعالى، فالفاعل الحقيقي هو الله تعالى، وقد تَنْخرِم العادات فينقلب سبب الحَرْق إلى سبب للبرد والسلامة والنجاة كما حصل مع سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام . الأدلة النقلية على وجوب صفة الوَحْدانية في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: أولاً: من القرآن الكريم: - قال تعالى: "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ"(سورة البقرة: الآية 163). - وقال تعالى: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ"(سورة الإخلاص). - وقال تعالى: "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ"(سورة الصافات: الآية 96). - وقال تعالى: "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون"(سورة القصص: الآية 68). ثانيًا: من السنة النبويَّة المشرَّفة: - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"(رواه البخاري ومسلم). - وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"(رواه الترمذي والإمام أحمد). - وعن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله خالق كل صانع وصنعته"(رواه الحاكم في المستدرك والبخاري في خلق أفعال العباد). ثالثًا: الإجماع: وقد أجمعت الأمة على أن الله سبحانه وتعالى واحدٌ في ذاته، واحدٌ في صفاته، واحدٌ في أفعاله، فليس كذاته ذات، وليس كصفاته صفات، ولا مع فعله فعل، فهو سبحانه وتعالى الفاعل بالاختيار. الدليل العقلي على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالوحدانية: أنه لو لم يكن الله تعالى واحدًا لَزِمَ أن لا يوجد شيء من هذا العالَم للزوم عجزه حينئذ، كيف؟ وهو موجودٌ بالمشاهدة، كما أن اتصافه سبحانه وتعالى بالوحدانية يستلزم: أولاً: نفي تركيب الذات من أجزاء: أي أن ذاته تعالى ليست مركبة من أجزاء متصل بعضها ببعض، وإلا لكان مماثلاً للحوادث وذلك محال لما يلزم عليه من احتياج الذات إلى أجزائها وإلى ما يركبها وهو أمارة الحدوث، والحدوث عليه تعالى مستحيل، وما أدى إلى المستحيل فهو مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب وهو أن ذاته تعالى ليست مركبة من أجزاء. ثانيًا: نفي وجود نظير لذاته تعالى: أي ذات أخرى تماثل ذاته العلية لما يلزم عليه من الخلاف المؤدي إلى فساد نظام هذا العالم، فالتعدد مستلزم لإمكان التمانع بأن يريد أحدهما حركة زيد والآخر سكونه، والتمانع مستلزم للمحال، وهو العجز المستلزم للحدوث فيكون التعدد مستحيلاً، وما أدى إلى المستحيل فهو مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب وهو أن لا نظير لذاته سبحانه وتعالى. ثالثًا: نفي وجود صفتين من جنس واحد كقدرتين وإرادتين وهكذا: أي أنه ليس له سبحانه وتعالى صفتان من جنس واحد، لأنه يؤدي إلى العبث فيما إذا وقع التصرف بهما معاً لكفاية كل واحدة في تأدية المطلوب، وإلى النقص فيما إذا لم تكن كل واحدة كافية في ذلك وإلى لزوم تعطيل الصفة التي لم يتصرف بها فيما إذا تصرف بإحداهما دون الأخرى، وكل من العبث والنقص والتعطيل مستحيل، وما أدى إلى المستحيل فهو مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب وهو أن لا وجود لصفتين من جنس واحد في حقِّه سبحانه وتعالى، فليس له تعالى إلا حياة واحدة، وعلم واحد، وقدرة واحدة، وإرادة واحدة، وهكذا في باقي الصفات. رابعًا: نفي اتصاف غيره بصفة تشبه صفته تعالى: وهو مستحيل لما يلزم عليه من قيام الصفة بنفسها قبل وجود موصوفها الحادث، وما أدى إلى المستحيل فهو مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب وهو أن لا اتصاف لغيره سبحانه وتعالى بصفة تشبه صفته تعالى. خامسًا: أن يكون لغيره فعلٌ من الأفعال على سبيل الإيجاد، وهو محال لما يلزم منه عدم تعلق قدرته سبحانه وتعالى به، فلا تتعلق بجميع الممكنات، وهو نقصٌ، والنقص عليه تعالى مستحيل؛ لأن قدرة الإله يجب أن تكون تامة التعلق بجميع الممكنات، وما أدى إلى المستحيل فهو مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب وهو أن ليس لغيره سبحانه وتعالى فعلٌ من الأفعال على سبيل الإيجاد. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: لَوْ لمْ يجبْ وَصْفُ الْغِنَى لَهُ افْتَقَرْ// لَوْ لَمْ يَكُنْ بِواحدٍ لَمَا قَدَرْ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. وصلِّ اللهم وسلِّم وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.
<b>العنوان: </b>7<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس السابع الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (الغنى المطلق "القيام بالنفس") الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، خامسًا: صفة الغنى المطلق "القيام بالنفس": تعريفها:هي صفةٌ أزليةٌ أبديّةٌ يتصف بها واجب الوجود سبحانه تعالى، تَسْلُب عنه سبحانه وتعالى الافتقار إلى مكان يقوم فيه، أو مَحِلٍ يَحُلُّ فيه أو مُوجِدٍ يُوجده. فهو سبحانه وتعالى قائمٌ بنفسه مُسْتغنٍ عمن سواه، مُفْتَقِرٌ إليه كل ما عداه، واتصافه سبحانه وتعالى بالغنى المطلق يوجب له تعالى التنْزُّه عن الأسباب والأغراض في أفعاله وأحكامه؛ إذ هي لِحكْمةٍ تحصل منها منفعةُ الخلق علمناها أم لم نعلمها، فأفعال الحقِّ سبحانه وتعالى لِحِكْمة، ولا يُقال أنها لسببٍ أو غَرَض؛ لأنه سبحانه وتعالى الغنيُّ وما سواه إليه فقير. فالمراد من هذه الصفة: سَلْبُ كلِّ معنى للإحتياج عنه سبحانه وتعالى، فما نستطيع تصوره هو الحاجة، والله سبحانه وتعالى ليس كذلك. الأدلة النقلية على وجوب صفة المخالفة للحوادث في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: أولاً: من القرآن الكريم: - قال تعالى: "يا أيها النَّاسُ أنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلى اللهِ، وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ"(سورة فاطر: الآية 15). - وقال تعالى: "واللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ"(سورة محمد: الآية 38). ثانيًا: من السنة النبويَّة المشرَّفة: - عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها قالت :قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهمّ أنْتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الْغَنِيُّ ونَحْنُ الْفُقَرَاءُ"(رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين). ثالثًا: الإجماع: وقد أجمعت الأُمَّة على أنَّ الله تعالى قائِمٌ بنفسِهِ مُسْتَغنٍ عَمَّن سِوَاهُ . الدليل العقلي على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالغنى المطلق: أنَّه لو جاز أن يفتقر الحقُّ سبحانه إلى مُخَصِّصٍ يُخَصِّصُهُ بحالٍ دون حال لكان حادثًا، وكونه حادثًا يؤدي إلى اجتماع الضدين؛ لما علمنا من وجوب قِدَمِه تعالى، واجتماع الضدين مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب وهو وجوب اتصافه تعالى بالغنى المطلق . - قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: لَوْ لمْ يجبْ وَصْفُ الْغِنَى لَهُ افْتَقَرْ// لَوْ لَمْ يَكُنْ بِواحدٍ لَمَا قَدَرْ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. وصلِّ اللهم وسلِّم وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.
<b>العنوان: </b>6<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس السادس الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (صفة المخالفة للحوادث) الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، رابعًا: صفة المخالفة للحوادث تعريفها: هي صفةٌ أزليةٌ أبديةٌ يتصف بها واجب الوجود سبحانه وتعالى، تسلب عنه سبحانه وتعالى مشابهته لمخلوقاته في الذات والصفات والأفعال، فهو سبحانه وتعالى ليس بِجِرْم ولا عَرَض ولا غير ذلك مما تتصفُ به المخلوقات، لا يشبه شيئًا من الأشياء ولا يشبهه شيءٌ من الأشياء. الأدلة النقلية على وجوب صفة المخالفة للحوادث في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: أولاً: من القرآن الكريم: - قال تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"(سورة الشورى: من الآية 11)، "شَيْءٌ" لفظةٌ نَكِرَة جاءت في سياق النفي فهي تَعُمْ، وهذه الآية محكمة يحمل عليها كل ما هو متشابه. - وقال تعالى: "هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا"(سورة مريم: من الآية 65)، والسَّميُّ: هو الشبيه. ثانيًا: من السنة النبويَّة المشرَّفة: - عن عكرمة رضي الله تعالى عنه قال: إن المشركين قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو؟، ومن أي شيء هو؟، فأنزل الله تعالى: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" إلى آخر السورة (رواه الطبري في تفسيره). ثالثًا: الإجماع: وقد أجمعت الأمة على مخالفته سبحانه وتعالى لجميع الحوادث. - قال الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى في (الفقه الأكبر): "أنَّى يُشبه الخالقُ مخلوقه". - ونُقل عن الإمام ذي النون المصري رحمه الله تعالى أنه قال: "مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك"، كذلك نقل مثله الإمام البيهقي عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في (مناقبه). - وقال الإمام أحمد بن سلامة الطحاوي الحنفي رحمه الله تعالى في عقيدته المسماة (بيان عقيدة أهل السنة والجماعة): "ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذ اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أنَّ الله تعالى بصفاته ليس كالبشر"ا.هـ. الدليل العقلي على وجوب مخالفته تعالى للحوادث: أنَّه لو جاز أن يتصف المولى سبحانه وتعالى بصفة من صفات المخلوقات لجاز عليه ما يجوز على الخلق من التغيُّر والتطور وغيرها، ولو جاز عليه سبحانه وتعالى ذلك لاحتاج إلى من يُغيره، والمحتاج إلى غيره لا يكون إلا حادثًّا، وكونه سبحانه وتعالى حادثًّا مستحيل لوجوب قِدَمه الذي أثبتناه سابقًا، وما أدى إلى المستحيل مستحيل، فلزم العكس وثبت المطلوب وهو وجوب مخالفته تعالى للحوادث. - قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: لو أمْكَنَ الفناءُ لانْتَفى القِدَمْ // لو ماثَلَ الخَلْقَ حُدُوثُهُ انْحَتَمْ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. وصلِّ اللهم وسلِّم وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.
<b>العنوان: </b>5<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس الخامس الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (صفة البقاء) الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، ثالثًا: صفة البقاء: تعريفها: هي صفةٌ أزليةٌ أبديةٌ يتصف بها واجب الوجود سبحانه وتعالى، تسلب وتنفي عنه سبحانه وتعالى الفناء، وحقيقة صفة البقاء انتفاء العَدَم اللاحق لذاته وصفاته سبحانه وتعالى. والبقاء هو عدم الانقضاء لوجوده تعالى، أي أنه تعالى دائم الوجود من غير غاية، وباق إلى غير نهاية، وبقاؤه تعالى ذاتيٌّ ليس بإيجاب غيره له. وهذا البقاء الذاتيُّ لا يكون لسواه، أما بقاء بعض المخلوقات كالجنة والنار وغيرها فليس بقاء ذاتيًا؛ لأن الحادث لا يكون بقاؤه لذاته بل لأن الله سبحانه وتعالى شاء لهُ البقاء. الأدلة النقلية على وجوب صفة البقاء في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: أولاً: من القرآن الكريم: - قال تعالى: "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان، ويَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والإِكْرَام"(سورة الرحمن: الآيات 26-27). - وقال تعالى: "هُوَ الأَوَلُ والآخِرُ"(سورة الحديد: من الآية 3)، أي: أولٌ بلا ابتداء وآخرٌ بلا انتهاء. ثانيًا: من السنة النبويَّة المشرَّفة: - عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنتَ الآخِرُ ليسَ بَعْدَكَ شَيء"(رواه الإمام أحمد). ثالثًا: الإجماع: وقد أجمعت الأمة على أنَّ الله تعالى متَّصفٌ بالبقاء، فلا يلحق ذاته العليَّة ولا صفاته عَدَم. الدليل العقلي على وجوب بقاء الخالق سبحانه: أنَّه لو أمكن أن يلحقه سبحانه وتعالى العَدَم لانتفى عنه القِدَم؛ لكون وجوده حينئذ جائزًا لا واجبًا، والجائز لا يكون وجوده إلا حادثًا لحاجته إلى مرجح يرجح وجوده على عدمه،كيف! وقد سبق وجوب قِدَمَه تعالى، لذلك فإنَّ ما ثبت قِدَمُه استحال عَدَمُهُ قطعًا. - قال سيدي الإمام ابراهيم اللقاني رحمه الله تعالى في (جوهرة التوحيد): وكُلُّ ما جازَ عليهِ العَدَمْ // عليهِ قَطْعًا يسْتَحيلُ القِدَمْ - قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: لَوْ أمْكنَ الفناءُ لانْتَفى القِدَمْ // لو ماثلَ الخَلْقَ حُدُوثُهُ انْحَتَمْ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. وصلِّ اللهم وسلِّم وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.
<b>العنوان: </b>4<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس الرابع الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (صفة القِدَم) الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، القسم الثاني من الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: الصفات السلبية تعريفها: هي الصفات التي تسلب من ذهن السامع ما لا يليق بالله تعالى من سائر صفات النقص، وتُبقي في ذهنه ما يليق بذاته العليَّة من سائر صفات الكمال. وهي خمسُ صفات: القِدَم، البقاء، القيام بالنفس (الغنى المطلق)، المخالفة للحوادث، والوَحدانية. ثانيًا: صفة القِدَم: تعريفها :هي صفةٌ أزليةٌ أبدية يتصف بها واجب الوجود سبحانه وتعالى، تسلب عنه تعالى الحدوث، وحقيقة صفة القِدَم انتفاء العَدَم السابق لذاته العليَّة وصفاته سبحانه وتعالى. ويجب له تعالى القِدَم بمعنى الأزلية، لا بمعنى تقادم العهد والزمن؛ لأن القديم الأزلي إذا أطلق على المولى سبحانه وتعالى كان المعنى أنه لا بداية لوجوده، أما إذا أطلق لفظ القديم أو الأزلي على المخلوق كان المراد تقادم العهد والزمن، قال تعالى: "وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ"(سورة يس: الآية 39)، وقال الفيومي في (المصباح المنير): "الهرمان بناءان أزليان في مصر"، فالقِدَم والأزلية هنا بمعنى الشيء الذي مضى عليه زمن قديم. الأدلة النقلية على وجوب صفة القِدَم في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: أولاً: من القرآن الكريم: قال تعالى :"هُوَ الأولُ"(سورة الحديد: من الآية 3)، أي أولٌ بلا ابتداء. ثانيًا: من السنة النبويَّة المشرَّفة: - عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" أَنْتَ الأَوَّلُ لَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ"(رواه الإمام أحمد). - وعن سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه قال :قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"(رواه أبو داود). ثالثًا: الإجماع: وقد أجمعت الأمة على أنّ الله تعالى متّصفٌ بالقِدَم، فلم يسبق ذاته العليَّة ولا صفاته عَدَم. الدليل العقلي على وجوب قِدَم الخالق سبحانه: لو لم يكن الخالق سبحانه وتعالى قديمًا، أولٌ بلا ابتداء، لكان حادثًا جائز الوجود، وإذا كان حادثًا فلا بد له من مُحدِث، لما مرَّ معنا في دليل الوجود، فلزم بذلك الدور والتسلسل، وكلاهما محال لا يقبل العقل ثبوتهما. أما الدور فمعناه: توقف وجود الشيء على ما يتوقف وجوده عليه، ومثاله: كما لو قيل زيدٌ أوجده عمرو، وعمرو أوجده بكر، وبكر أوجده زيد، هذا فيه وقف وجود زيد على وجود عمرو ووجود بكر، وهذا شيء لا يقبله العقل؛ لأنه يؤدي إلى القول بأن هذا مخلوق لشيء هو مخلوق له، أي مخلوق لمخلوق، فلزم بذلك التقديم والتأخير في وقتٍ واحدٍ لكل منهما، حيث أنَّ كلا منهما فاعلٌ للآخر ومفعول له، وكونه فاعل يلزم أن يكون متقدمًا على مفعوله، وكونه مفعولًا له يلزم أن يكون متأخرًا عنه!!، وكون الشيء الواحد متقدمًا متأخرًا بوقت واحد جمع بين النقيضين أو الضدين وهو محال، فلزم بذلك استحالة الدور. وأمَّا التسلسل: فمعناه توقف وجود شيء على شيء يتوقف وجوده على غيره، وذلك يتوقف وجوده على غيره، أي كل هؤلاء خالق لما يليه إلى غير انتهاء، ومثاله: كأن يقول شخص لآخر: "لا أعطيك درهمًا حتى أعطيك قبله درهمًا، ولا أعطيك ذلك الدرهم حتى أعطيك قبله درهمًا وهكذا لا إلى نهاية"، فمعنى ذلك أنه جزمًا لن يُعطيه درهمًا، والتسلسل مستحيل؛ لأننا إذا مضينا فيه فكل خالق له خالق وذاك له خالق وهكذا لا إلى انتهاء سيؤدي بنا إلى عدم وجود مُحْدِث أبدًا، وعدم وجود مُحْدِث يؤدي إلى عدم وجود المُحْدَثات - أي المخلوقات-، وهذا مستحيل؛ لأنها موجودة بالمشاهدة، فما أدى إلى المستحيل فهو مستحيل فلزم استحالة التسلسل كذلك. وإذا ثبت استحالة الدور والتسلسل لزم كون الخالق سبحانه وتعالى قديمًا لا أول له وهذا هو المطلوب. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: لَوْ لَمْ يَكُ القِدَمُ وَصْفُهُ لَزِمْ // حُدُوثُهُ دَوْرٌ تَسَلْسُلٌ حُتِمْ . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. وصلِّ اللهم وسلِّم وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.
<b>العنوان: </b>3<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس الثالث الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى (صفة الوجود) الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، فيجب على المكلف أن يعرف في حقِّ المولى سبحانه وتعالى تفصيلًا الصفات التي أقيمت عليها الأدلة والبراهين القطعية من الكتاب والسنة والإجماع، وهي ثلاثة عشر صفة، مع وجوب الإعتقاد بأن الله تعالى موصوفٌ بكل كمال يليق به منزَّهٌ عن كل نقصٍ في حقه تعالى، وتقسم الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى إلى ثلاثة أقسام: 1. صفات نفسية. 2. صفات سلبية. 3. صفات معاني. وقد جمعها الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى في منظومته (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين) فقال: يَجِبُ للهِ الوُجودُ والقِدَمْ //كَذَا البقَاءُ والغِنَى المُطلَقُ عَمْ وخُلْفُه لِخَلْقِهِ بِلا مِثَالْ// وَوَحْدَةُ الذَّاتِ ووصْفٍ والْفِعَالْ وقُدرةٌ إرادةٌ علمٌ حياةْ// سَمْعٌ كلامٌ بصرٌ ذِي واجباتْ القسم الأول من الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: الصفات النفسية وهي التي تتعلق بالذات، ولا نعقل الذات إلا بها، وهي صفة الوجود. أولاً: صفة الوجود: تعريفها: هي صفةٌ أزلية أبدية يتصف بها واجب الوجود سبحانه وتعالى، توجب له تعالى كل ما يليق به من صفات الكمال وتنفي عنه خلاف ذلك من صفات النقصان. وهي أول صفة يجب علينا أن نعرفها في حقِّه تعالى من ناحية التعقل الذهني، فلا يمكن أن نتحدث عن واجبات وجائزات ومستحيلات في حقِّ معدوم، ووجوده سبحانه وتعالى ذاتيٌ أزليٌ أبديٌ بلا بداية ولا نهاية، من غير سبب ولا علة؛ فوجودنا نحن البشر بسبب الوالدين واجتماع المني من كليهما، والله تعالى ليس كذلك، أي أن ما سواه سبحانه وتعالى غير مؤثر في وجوده. كما أنَّ وجوده سبحانه وتعالى يستحيل أن تدرِك حقيقته أو ماهيَّته العقول، فالعقل مخلوق ولا يُعقل أن يحيط مخلوقٌ عاجزٌ قاصرٌ بالخالق الكامل سبحانه وتعالى. الأدلة النقلية على وجوب صفة الوجود في حقِّ المولى سبحانه وتعالى: أولاً: من القرآن الكريم: قال تعالى: "أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"(سورة سيدنا إبراهيم: من الآية 10). ثانيًا: من السنة النبويَّة المشرَّفة: عن سيدنا عمران بن الحصين رضي الله تعالى عنهما قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ"(رواه الإمام البخاري). ثالثًا: الإجماع: أجمعت الأمة على إطلاق لفظ (الموجود) على ذاته سبحانه وتعالى. الدليل العقلي على وجوب وجود الله تعالى: واستدلالنا لهذا الأمر عقلًا مبني على أمرين: 1. إثبات حدوث العالَم: أي أنه لم يكن موجودًا فوُجِد. 2. إثبات أن هذا العالم الحادث لا بد له من مُحْدِث. وطريقنا في إثبات الأمر وجوبًا هو إثبات استحالة ما يقابله. أولًا: إثبات حدوث العالَم: فالعالَم هو كل ما سوى الله تعالى ،وهو مكونٌ من أجرامٍ وأعراضٍ. الجِرْم : هو ما له طول وعرض ، ويحتاج إلى محل يحــــل به ، ومن صفاته التَّحيُّز ، أي يأخذ مقدار حجمه من الفراغ ،فهو حادث. أمّا العَرَض: فهو ما لا يستقل بذاته بل يحلُّ بغيره ، كالسَّواد والبياض والحركة والسكون ، ثم بعد فهم حقيقة الجِرْم والعَرَض نثبت حدوثهما لنصل إلى حدوث العالم، فالأجرام حادثة بدليل مشاهدة أنها تأخذ مقدار حجمها من الفراغ ، والأعراض حادثة بدليل حلولها في الأجرام وانفصالها عنها ، وبالتالي جزمنا أنَّ كليهما حادث ، والحادث لا بد له من مُحْدِث ، وبما أنَّ العالم مكونٌ من أجرام وأعراض، و أنَّ كليهما حادث ، لزم حدوث العالم وهو المطلوب . ثانيًا: إثبات أنّ لهذا العَالم مُحْدِثٌ خَلقَه: إذا ثبت حدوث العالَم فنحن أمام ثلاثة أمور: 1. إمَّا أن يكون أَوجد هو نفسه. 2. إمَّا أن يكون قد وُجد صدفة بدون مؤثر. 3. إمَّا أن يكون له مُحْدِث وخالق، وهذا ما نريد الوصول إليه. فالأول محال؛ لأنه كان معدومًا قبل وجوده والعدم لا يكون خالق بلا نزاع، ومثال ذلك: ابنتي آذت ابنتك، والحال ليس لي ابنة، إذن تستحيل الإذاية. والثاني محالٌ أيضًا لأنه لو حدث صدفةً (بنفسه) لزم أن يكون وجوده - الذي في حقيقته مساوٍ لعدمه؛ لأنه جائز - راجحًا عليه بلا سبب، وهذا يؤدي إلى اجتماع الضدين، أي التساوي والرجحان ما بين الوجود والعدم، واجتماع الضدين في العقل السليم محال، فثبت العكس ولزم المطلوب أن العالَم لم يوجد بنفسه صدفة. ثم بعد إثبات استحالة أن يكون العالم أوجد نفسه أو أنه وُجد صدفة بدون مؤثر لزم وجوبًا أن يكون له خالقٌ مُحدِثٌ حكيمٌ جاء على لسان أسيادنا الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام أن اسمه (الله) جلَّ وعلا. وبهذا يتم الدليل العقلي على وجوب وجود الخالق تعالى وإستحالة كل ما ينافي هذه الحقيقة من تُرهات ومفاسد. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: وجودُهُ لهُ دليلٌ قاطعْ // حاجةٌ كلّ مُحْدَث للصانعْ لو حَدَثتْ بنفْسِها الأكوانُ // لاجتمعَ التَّساوي والرجحانُ وذا مُحالٌ وحدوثِ العالَمِ // من حَدَثِ الأعراضِ معْ تلازُمِ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. وصلِّ اللهم وسلِّم وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.
<b>العنوان: </b>2<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس الثاني الحكم، وأقسامه: الشرعي والعادي والعقلي الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، فالحكم: لغةً: المنع، واصطلاحًا: هو إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، وينقسم إلى ثلاثة أقسام: شرعي وعقلي وعادي: أولًا: الحكم الشرعي: وهو ما يعرف من طريق الشرع كقولنا في الإثبات "صيام شهر رمضان فرض" وفي النفي "صيام يوم عرفة ليس بفرض"، وينقسم إلى قسمين: تكليفي، ووضعي: أ‌- الحكم الشرعي التكليفي: أي ما كان للمكلف دخلٌ فيه، وهو خطاب الله تعالى الدَّالُّ على إيجاب فعل المكلف كالصلوات الخمس، أو ندبه كصلاة النافلة، أو تحريمه كشرب الخمر، أو كراهته كصيام يوم الجمعة منفردًا، أو إباحته كالأكل والشرب. التكليف: لغةً: طلب كلِّ ما فيه كُلْفة - أي مشقَّة-، وشرعًا: الخطاب بأمرٍ أو نهي أو نَدْبٍ أو كراهةٍ أو إباحة. المكلَّف شرعًا: هو البالغ العاقل الذي وصلته دعوة الإسلام وكان خاليًا من المانع، مع وجود السبب وتحقق الشرط بجميع أجزائه (البلوغ، والعقل، ووصول الدعوة). ب‌- الحكم الشرعي الوضعي: أي ما لم يكن للمكلف دخلٌ فيه، وهو خطاب الله الدَّالُّ على الشيء سببًا كغروب الشمس لوجوب صلاة المغرب، أو شرطًا كالعقل لصحة الصلاة، أو مانعًا كالحيض يمنع من صحة الصلاة. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: الْحُكْمُ في الشَّرعِ خطابُ ربِّنَا // الْمُقتَضِي فِعْلَ الْمُكلَّفِ افْطُنَا بِطَلَبٍ أَوْ إِذْنٍ أوْ بِوَضْعِ // لِسَبَبٍ أَوْ شَرْطٍ أوْ ذِي مَنْعِ أما طلب الفعل: فيدخل فيه: 1) الواجب (الفرض): وهو ما يُثاب فاعله ويأثم تاركه كالصلوات الخمس المفروضة. 2) السنَّة (المندوب أو المستحب): وهو ما يُثاب فاعله ولا يأثم تاركه، وإنما قد يدركه اللوم ويفوته أجرٌ كبير كصلوات النوافل مطلقًا والصدقات وغيرها. وأما طلب الترك: فيدخل فيه: 3) الحرام: ما يأثم فاعله ويُثاب تاركه امتثالًا لأمر الله تعالى كالسرقة. 4) المكروه: هو ما لا يأثم فاعله، ويُثاب تاركه امتثالًا لأمر الله تعالى كلطم الماء بالوجه، واستعمال الماء المشمس مع وجود غيره. وأما الإذن: يدخل فيه: 5) المباح: وهو ما لا ثواب فيه ولا عقاب لذاته كالأكل والشراب واللباس وغيرها، لكنه قد ينقلب لحكم آخر ليس لذاته بل لسبب آخر عُرض له، فقد يصير فيه الثواب كالأكل ليتقوى على الطاعة، وقد يصير حرامًا كلبس الثياب من أجل التكبُّر على الناس لكسر قلوبهم. والأحكام الخمسة السابقة هي ما عبرَّنا عنها بالأحكام الشرعية التكليفية. أما خطاب الوضع فهو أن يجعل الشرع إمارة للشيء سببًا أو شرطًا أو مانعًا، كأن يجعل الشرع إمارة لوجوب الصلاة: - سببًا: دخول وقتها. - شرطًا: البلوغ والعقل. - مانعًا: الحيض والإغماء. مثال (1): الصوم: (السبب: دخول الشهر، الشرط: البلوغ والعقل، المانع: الحيض والنفاس وغيرها). مثال (2): صلاة الظهر (واجب): (السبب: دخول وقت الظهر، وهو زوال الشمس عن كَبِد السماء زيادة على الظل الأصلي، الشرط: البلوغ والعقل، المانع: الحيض والموت)، فإن وُجد السبب وتحقق الشرط بجميع أجزائه وكان المكلف خاليًا من المانع تعلَّق به الخطاب أن (افعلْ)، فيثاب على صلاته ويأثم على تركها. مثال (3): شرب الخمر (حرام): (السبب: الإسكار وإذهاب العقل، الشرط: عدم وجود ضرورة لشربها، المانع: وجود ضرورة لشربها). قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: أقْسَامُ حُكْمِ الشَّرْعِ خَمسةٌ تُرَامْ // فَرْضٌ وَنَدْبٌ وَكَرَاهَةٌ حَرَامْ ثُمَّ إِبَاحَةٌ فَمَأْمُورٌ جَزِمْ // فَرْضٌ وَدُونَ الْجَزْمِ مَنْدُوبٌ وُسِمْ ذُو النَّهْي مَكْرُوهٌ وَمَعْ حَتْمٍ حَرَامْ // مَأْذُونٌ وَجْهَيْهِ مُبَاحٌ ذَا تَمامْ ثانيًا: الحكم العادي: وهو ما يعرف بواسطة التكرار والتجربة، كإثبات النجاح للدارس في قولنا "من يدرس ينجح"، وكنفي النجاح عن غير الدارس في قولنا "من لا يدرس لا ينجح"، مع وجوب العلم بأن الله تعالى أجرى العادة اختيارًا منه أن يكون التأثير "مع الفعل لا به", فالنجاح مع الدراسة لا بها، وقد ينخرم الحكم العادي أو يتخلف لأسباب: 1. معجزةً لرسولٍ أو لنبيٍ من أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما حصل مع سيدنا إبراهيم عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام، فالنار لم تحرقه بل كانت بردًا وسلامًا، فالمعجزة: أمرٌ خارقٌ للعادة، يظهر على يدِّ النبيٍّ أو الرسول، سالمٌ عن المعارضة بالمثل، مقرونٌ بالتحدّي، موافقٌ للدعوة. 2. إرهاصًا لرسولٍ أو لنبيٍ قبل البعثة، كتسليم الحجر على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 3. كرامة لوليّ، كعودة الشمس لسيدنا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فالكرامة هي أمرٌ خارقٌ للعادة يظهر على يدِّ الوليِّ (متَّبع النبيِّ)، غير سالم عن المعارضة بالمثل، غير مقرون بالتحدِّي، موافق للدعوة. 4. تأييدًا ومعونةً لمظلوم. 5.استدراجًا لكافر، كأن يقع من مكان عالٍ ولا يتأثر، فهذا سبب لكي يتفكر في قدرة الله تعالى ومشيئته تعالى. ثالثًا: الحكم العقلي: وهو ما يُعرف من طريق العقل بلا تكرار كالحكم العادي ولا بوضع واضع كالحكم الشرعي. ويقسم الحكم العقلي إلى ثلاثة أقسام: الواجب والمستحيل والجائز، وكل قسم منهم ينقسم إلى ضروري ونظري، فالضروري لا يحتاج إلى نظر واستدلال وتفكر، وأما النظري فيحتاج إلى نظر واستدلال وتفكر. أولًا: الواجب العقلي: وهو ما لا يتصور في العقل عدمه، أي ما حكم العقل السليم بثبوته، وهذا الثبوت إما مشاهدٌ كالأجرام، والجرم: ما يقوم بنفسه ويأخذ قدره من الفراغ، أو غائبٌ لكن له علامات تدل عليه كالعقل والروح. ويقسم الواجب إلى: - واجب عقلي ضروري: كالتحيّز للجِرم. - واجب عقلي نظري: كإثبات الصدق لأسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ثانيًا: المستحيل العقلي: وهو ما لا يتصور في العقل وجوده. ويُقسم المستحيل إلى: - مستحيل عقلي ضروري: كعدم التحيُّز للجِرم. - مستحيل عقلي نظري: كنفي صدق أسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ثالثًا: الجائز العقلي: وهو ما يصحُّ في العقل وجوده أو عدمه. ويُقسم الجائز إلى: - جائز عقلي ضروري: كاتصاف الجِرم بالحركة أو السكون، وجوازه مشاهد، فالحركة قد توجد وقد تنعدم ويوجد السكون وهكذا. - جائز عقلي نظري: كإدخال الكافر الجنة، وإدخال المؤمن الطائع النار، وهذا يحتاج إلى قليل تأمل وتفكر، والأصل فيه أن الخالق يتصرف في ملكه كيف شاء، والكلُّ مخلوقٌ مملوكٌ لله تعالى يصرفه كيف شاء، فله تعالى أن يجعل المعصية والكفر علامة لدخول الجنة، وله كذلك أن يجعل الطاعة علامة لدخول النار، وهذا كله لا يسمى ظلمًا؛ لأنه تصرف المالك في ملكه، ولكنه سبحانه وتعالى وببالغ رحمته وفضله جعل الطاعة مع الإيمان علامة لدخول الجنة، وجعل الكفر علامة للخلود في النار، وجعل المعصية علامة استحقاق العذاب مع عدم لزوم ذلك. وهنا يظهر لنا تعريفان آخران هما: الواجب العَرَضي والمستحيل العَرَضي. - الواجب العَرَضي: وهو الجائز العقلي الذي اعترضه عارض شرعي قلبه إلى حال الوجوب، ومثاله: بقاء الجنة والنار، فالعقل السليم يُجوِّز فناءهما ويجوِّز بقاءهما؛ لأنهما من جملة الحوادث التي لم تكن موجودة فوجدت، لكن جاء الشرع الحكيم موجبًا لبقاءهما فانقلب حكم بقاءهما من الجواز إلى الوجوب ويسمى واجبًا عَرَضيًا. - المستحيل العَرَضي: وهو الجائز العقلي الذي اعترضه عارض شرعي قلبه إلى حال الاستحالة، ومثاله: فناء الجنة والنار، فالأصل عقلًا الجواز، ولكن اعترضه الشرع وقلبه من الجواز إلى الاستحالة فصار مستحيلًا عَرَضيًا. قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكي الفاسي رحمه الله تعالى: وحُكْمُنا العَقْليُّ قضيةٌ بِلا // وَقْفٍ على عادةٍ أوْ وَضْعٍ جَلا أقسامُ مُقْتضاهُ بالحَصْرِ تُمازْ // وَ هِيَ الوجوبُ الِاسْتِحالةُ الجوازْ فواجبٌ لا يقبلُ النّفيَ بِحالْ // و مـَا أبَى الثُبوتَ عقلًا المُحالْ وجائزًا ما قَبِلَ الأَمْرَينِ سِمْ // لِلضّرورِي وَ النّظَريْ كٌلٌ قُسِمْ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. وصلِّ اللهم وسلِّم وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.
<b>العنوان: </b>1<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>سم الله الرحمن الرحيم دروس شرح مبادئ علم التوحيد الدرس الأول مبادئ علم التوحيد الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، فإن لكل علم من العلوم الكريمة عشرة مبادئ، بها يعرف، وبها يُبتدَأ، وقد جمع تلك المبادئ الكريمة سيدي الإمام محمَّد الصَّبَّان الشافعي رحمه الله تعالى، فقال الإمام رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه: إنَّ مَبَادِي كُلِّ فَنٍّ عشَرَةْ .::. الحَدُّ والمَوضُوعُ ثُمَّ الثَّمَرَةْ وَفَضْلُهُ وَنِسْبَةٌ والوَاضِع .::. والاسْمُ الاستِمْدَادُ حُكْمُ الشَّارِعْ مَسَائلٌ والبَعْضُ بالبَعْضِ اكتَفَى .::. وَمَنْ دَرَى الجَمِيعَ حَازَ الشَّرَفَا - حده: التوحيد لغةً: العلم بأن الشيء واحد، واصطلاحًا: علمٌ يبحث فيه عما يجب وما يستحيل وما يجوز في حق الله تعالى، كذلك في حق أسيادنا المرسلين عليهم الصلاة والسلام، وعن الممكنات من حيث الاستدلال بها على وجود صانعها، وعن السمعيات من حيث اعتقادها، وذلك من الأدلة اليقينية المكتسبة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، والتي تؤدي إلى الجزم المطابق للواقع عن دليل. - موضوعه: ذات الله سبحانه وتعالى وذوات أسيادنا المرسلين عليهم الصلاة والسلام من حيث ما يجب وما يستحيل وما يجوز، والسمعيات من حيث الاستدلال عليها وبيان وجوب اعتقادها والتصديق بها كأسيادنا الملائكة والجن ونعيم القبر وعذابه وحقيقة البرزخ والبعث والنشور والحشر والجنة والنار وغيرها. - ثمرته: معرفة حق الله تعالى وحق أسيادنا المرسلين عليهم الصلاة والسلام بالبراهين القطعية التي تؤدي إلى صحة العبادة والفوز بالسعادة الأبدية وعدم الخلود في النار بسبب المعتقدات الردِيَّة. - فضله: هو أشرف العلوم وأفضلها على الإطلاق لكونه متعلقًا بالله سبحانه وتعالى وهو أشرف الموجودات، وبأسيادنا المرسلين عليهم الصلاة والسلام وهم أشرف خلقه، وقد جاءت الرسل به من لدن سيدنا آدم إلى سيدنا ومولانا محمد عليهم الصلاة والسلام؛ فالكل أرسل لحكمة واحدة هي تعليم الناس توحيد الله تعالى واعتقاد اتصافه بسائر صفات الكمال، وتنزهه عن سائر صفات النقصان. - نسبته: هو أصل باقي العلوم وما سواه فرعٌ عنه، لما رواه ابن ماجه في سننه عَنْ سيدنا جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله تعالى عنه قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا"، وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: "إن الفقه في الدين خيرٌ من الفقه في الأحكام"، وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: "أحكمنا ذلك قبل هذا" أي علم التوحيد قبل علم الأحكام. - واضعه: أول من تكلم ووضع أسس علم التوحيد من الصحابة هو إمام التوحيد ومصباح التفريد سيدنا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لمناظرته الخوارج في مسائل الوعد والوعيد ومناظرته القدرية في القدر والقضاء والمشيئة والاستطاعة، ثم تلميذه سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وسيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في كلامه على القدرية وبراءته منهم، وأول متكلمي أهل السنة من التابعين سيدنا عمر بن عبد العزيز ثم سيدنا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في مناظرته للروافض، ثم سيدنا الحسن البصري ثم سيدنا الشعبي وسيدنا الزهري، وبعد هذه الطبقة جاء الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر عليهما السلام القائل: "من قال أن الله في شيء أو على شيء أو من شيء فقد كفر"، ومن بعده تلميذه الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه القائل: "لولا السنتان لهلك النعمان" وهما السنتان اللتان جلسهما بين يدي الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ثم الإمام مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ورضي الله عنهم، ومن متكلمي أهل السنة أيام المأمون عبدُ الله بن سعيد التميمي ومن تلامذته الإمام الجنيد شيخ الصوفية وإمام الموحدين، ثم بعدهم شيخا النظر وإماما الآفاق في الجدل والتحقيق أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق الأشعري وأبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتُريدي ، فهذَّبوا هذا العلم وألَّفوا فيه المصنفات العجيبة التي بهرت العقول وأذعنت لها الفحول. - اسمه: 1. علم التوحيد: لأنه يبحث عن الأدلة النقلية والعقلية التي تؤدي إلي توحيد الخالق عزَّ وجلَّ. 2. علم أصول الدين: لأنه أصل كل العلوم، فهو يغني عما سواه وكل ما بعده تبعٌ له. 3. علم الكلام: لأنه به جرى الكلام بين علماء أهل السنة ومن سواهم من فرق أهل البدع والأهواء، فردُّوا به عليهم. 4. علم العقائد: لأنه من قبيل عقد الشيء على الشيء إذا ما تمكَّن منه. 5. الفقه الأكبر: لأنه ينبغي أن يكون الاهتمام به هو الأكثر، فهو مدار الإيمان ومبنى صحة الأركان ومعنى غاية الإحسان. - استمداده: هو مستمدٌّ من الأدلة اليقينية المكتسبة من كتاب الله وسنة سيدنا مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإجماع والعقل السليم. - حكمه: تعلمه واجب على كل مكلف وجوبًا عينيًّا، قال تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ"(محمَّد: من الآية 19)، وقال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا والله أعلمُكُم بالله، وأتقاكم له"(رواه الحاكم في المستدرك). - مسائله: تنحصر مسائله في ثلاثة أشياء: 1. إلهيَّات: وهي ما تتعلق بالله سبحانه وتعالى من حيث ما يجب، وما يستحيل، وما يجوز. 2. رسليَّات: وهي ما تتعلق بأسيادنا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام من حيث ما يجب لهم، وما يستحيل عليهم، وما يجوز في حقهم. 3. سمعيَّات: وهي ما دلَّ عليها النَّقل فقط، ولا مدخل للعقل فيها كالملائكة والجن ونعيم القبر وعذابه وحقيقة البرزخ والبعث والنشور والحشر والجنة والنار وغيرها. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. وصلِّ اللهم وسلِّم وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.
<b>العنوان: </b>0<br/><b>التصنيف: </b>دروس شرح مبادئ علم التوحيد<br/><b>التفاصيل الملحقة: </b>بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،،، فيُشرفنا أنْ نقدم لكم سلسلة من دروس مبادىء علم التوحيد وشروحها، تُقَدِّمُها لكم الأخت طالبة العلم الشرعيِّ الشريف "الزهراء القرطامية"، المولودة في مدينة خليل الرحمن بفلسطين، والمقيمة حاليًا في غزة هاشم، متزوجة ولديها أربعة أولاد، ثلاثة إناث وذكر، حاصلة على دبلوم "برمجة وتحليل نظم" من جامعة بوليتكنك فلسطين، وقد تَلَقَّتْ العلوم الشرعية على فضيلة العلامة المحدِّث الفقيه الأصولي الصوفي محلِّ الوالد شيخنا ومربينا أبي الفضل أحمد بن منصور قرطام الحسينيِّ المالكيِّ الفلسطينيِّ حفظه الله تعالى، وقد تحصلتْ على الإجازة في العقيدة السنوسية المسمَّاة "أمُّ البراهين" مع إضافة باب السمعيات، لسيدي الإمام محمد بن يوسف السنوسي الحسنيِّ المالكيِّ رحمه الله تعالى، وسمعتْ العقيدة الطحاوية لسيدي الإمام أبي جعفر الطَّحاويِّ الحنفيِّ رحمه الله تعالى بشرح سيدي عبد الغني الميداني الدمشقي الحنفي رحمه الله تعالى،كذلك كتاب الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج من كتاب (كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار) لسيدي الإمام تقي الدِّين أبي بكر بن محمَّد الحصني الحسينيِّ الشافعيِّ رحمه الله تعالى، وتحصلتْ على الإجازة بحديث مسلسل عاشوراء، والحديث المسلسل بالمحبَّة، وهي الآن تقرأ في كتاب الأذكار للإمام محيِّ الدين يحيى بن شرف النووي الشافعيِّ رحمه الله تعالى، وتتقلى علم مصطلح الحديث، وأحاديث (إحياء المَيْت بفضائل أهل البيت عليهم السلام) للإمام السيوطي الشافعيِّ رحمه الله تعالى، وما زالت تَتَعَلَّم وتُعَلِّم في المركز الوطني للبحوث والدراسات التابع لآل البيت فلسطين، والذي يقوم عليه العلامة سيدي محلُّ الوالد أبو الفضل أحمد بن منصور قرطام الحسينيِّ المالكيِّ حفظه الله تعالى ورعاه، والله تعالى الموفق للصواب لا ربَّ غيره. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلِّ اللهم وسلِّم وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.

معرض الصور

للإطلاع على المزيد من الصور، بإمكانكم زيارة معرض الصور بالضغط هنا

مرئيات

للإطلاع على المزيد من المرئيات، بإمكانكم زيارة مرئيات الموقع بالضغط هنا

اتصل بنا

واحة آل البيت لإحياء التراث والعلوم - فلسطين
غزة - فلسطين
بريد إلكتروني: info@alalbait.ps

النشرة البريدية

اشترك بالنشرة البريدية لتبقى على تواصل دائم واطلاع مستمر على ما ينشر في موقعنا

واحة آل البيت لإحياء التراث والعلوم - فلسطين | 2025
تصميم وتطوير: أبو الحسن