- آخر تحديث: 2015/08/05
- 4864
كيف تؤخذ العلوم الشرعية؟
اعلم أنه لا يصح أخذ العلوم ابتداءً من الكتب إلا بعد أن يتلقى الطالب نصيباً منها عن العلماء حتى تتكون له ملكة يستطيع أن يميز بها المكلف الخطأ من الصواب، مصداقاً لقوله تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (النحل: من الآية43)، وقد أجمع علماء التفسير وغيرهم أن أهل الذكر هم العلماء، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْفِقْهُ بِالتَّفَقُّهِ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(رواه البخاري)، وقد روى الإمام الخطيب البغدادي بإسناده عن موسى بن يسار أنه قال: " لا تأخذوا العلم إلا من أفواه العلماء"، فالعلم لا يكون إلا بالتلقي، وقال أيضاً: " الذي يأخذ العلم من الكتاب يقال له الصُحفي، والذي يأخذ القرآن من المصحف يقال له مصحفي "، وقال الشاطبي في كتابه الموافقات: " كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى بطون الكتب، وبقيت مفاتيحه بأيدي الرجال"، فنفهم أنه لا مجال للتعلم ابتداءً إلا بالتلقي عن الرجال ولو كانت العلوم في بطون الكتب، والمقصود من قوله: "بطون الكتب" أنها أصبحت أوعيتها بعد أن كانت العلوم أوعيتها صدور الرجال.
ولا شك أن الكتب التي يطالعها الشخص لا تخلو من دس أو افتراء على الدين أو يفهم منها أشياء على خلاف ما هي عليه عند السلف والخلف على ما تناقلوه جيلاً عن جيل، فيؤدي إلى عبادة فاسدة أو أن يقع في الحرام أو في الكفر والضلال أعاذنا الله وإياكم، وأقل ما يكون في الكتب أنها لا تخلو أيضاً من خطأ مطبعي، فلا بدَّ من تعلم أمور الدين من عارف ثقة يكون أخذ عن ثقة، وهكذا إلى الصحابة رضوان الله عليهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى جبريل عليه السلام عن اللوح المحفوظ عن رَبِّ العزة سبحانه وتعالى، ولهذا أوجب العلماء نسبة كل شيء إلى قائله وذلك بالنقل المعتبر عند أهل الفن والأثر وهو المتفق على تسميته بالسند، فإن صح السند ثبت نقل الخبر، وإن لم يصح انتفى ثبوته، وبهذا الميزان يُحاكم كل ما يُنقل من قرآنٍ وحديثٍ وفقهٍ وغيره من العلوم، فالسند والتلقي شرطان مطلوبان في كل خبر صغير أو كبير، وما القصد إلا تحقق الصدق في الخبر و انتفاء الكذب عنه، وما يتم هذا وذاك إلا بالتلقي وهو صفة المحققين من أهل العلم، والذي يجب أن يُعلم أنه لو كان هناك أحدٌ مستثنى عن التلقي لكان حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومع هذا فإنه تلقى الوحي عن جبريل رغم أنه أفضل منه، وفي تلقي الفاضل عن المفضول يكمن سر الشريعة الإسلامية، فكيف بعض من ينتسبون إلى العلم ويقولون أنه لا حاجة إلى التلقي والسند بعد أن دونت العلوم في الكتب.